مقالات

إنعطافة فى تأريخ الشرطة بقلم : العميد د . إدريس ليمان

فى هذه الأيام الصامتة الثقيلة التى يعيشها أهل السودان همَّاً ومكابدة فى دنيا الإضطراب المعيشى المختبل المجنون والتى يمتدُ سوادها تحت غمام الحياة وتحت رحمة المتحور ( أوميكرون ) لم يفقد الناس آمالهم فيهاوإحساسهم بها ، وهذه من نعم الله عليهم أن تظل آمالهم حيَّة تتحرك وتزداد وتتجدد ، فقد رسم لهم أسلافهم الذين مضوا آفاقاً رحبة من الطموح الإنسانى لمستقبلٍ زاهر يحدوهم الأمل العريض للبناء والنماء لما تذخر به البلاد من عناصر ومتطلبات النهوض الحضارى فلاتنقصهم الإمكانيات ولا الموارد ولاينقصهم طموح الرؤى ، والمتأمل للواقع المأزوم للمجتمع السودانى مع القراءة الأمنية للأحداث الأخيرة والمتتابعة يجد أن كثيراً من شبابنا يخلطون بين مفهوم الوطن ومفهوم الحكومة فيحرقون مركبات الشرطة ويستهدفون أقسامها ولا يدرون أنهم بفعلتهم تلك يحرقون وطناً ويستهدفونه بالخراب .. فقد كانت الشرطة مرمى لنبالهم و سهامهم ينتاشونها بقبيح القول والفعل .. لا لضعفٍ فى أدائها ، ولا لتقصيرٍ فى مهامها وواجباتها ، ولا لتجاوزٍ لسلطاتها وصلاحياتها .. بل لخللٍ فى منظومة القيم والأخلاق فى المجتمع ، وإنحرافٌ يُخالف المعايير التى أقرَّها العُرف والقانون ، بل وإفتئاتٌ على الحقيقة وتجنى على المهنية والعدالة ، فالشرطة طوال تأريخها المجيد ( لم ولا ولن ) تُلحق الأذى بالمواطنين أثناء تعاملها العملياتي الميدانى ولاترى فى ذلك( إنتصاراً ) ، وتسعى للحفاظ على سلامتهم وأمنهم رغم ما تتعرض له من أذىً ولا ترى فى ذلك ( إنكساراً ) .. فأمرٌ محزن أن تبلغ الإستهانة بها هذا المبلغ فى موقفٍ لا مثيل له فى تأريخ السودان قديمه وحديثه .. وأمرٌ محزن إلاَّ تتناول الأقلام الصادقة ما تتعرض له إلاَّ لماماً ونزراً يسيراً ، ولاتنال إلاَّ أسطراً قلائل وكلماتٍ خجولة .. فالإستهانة بها والإعتداء على منسوبيها وعلى مقَّارها إستهانةٌ بالقانون وإعتداءٌ على قيم الحق والعدالة ، بل وإعتداءٌ على سيادة الدولة وهيبتها والناس فى غفلةٍ وإستنامة .. فالشرطة هى من تُحقِّق الأمن الذى هو عماد كُل جُهدٍ للبناء والنماء ، فإذا إنهار الأمن إنهار البناء كله وأصبح الحاضر والمستقبل ركاماً وأطلالاً وملاعبَ يستبيحها من يشاء بما يشاء كما يشاء ..!!
وفى ظل تلك المعطيات ينبغى على هذه المؤسسة العظيمة أن تقف مع نفسها قليلاً ، وأن تُغلق دارها على نفسها وليس دون الآخرين ، وأن تجد تفسيراً لما يحدث كيف يحدث وإلاَّ فلا علاج لِعلَّةٍ لا يعرف الطبيب أسبابها ، فكرامتها أعز وأغلى من تُبذل على الألسنة وأن تُستباح على الشاشات والطُرُقات ، وإن كان المجتمع السودانى يستطيع الإستغناء عن خدماتها فليُصدِر فرماناً بحلَّها بدلاً عن إستهدافها والتقليل من شأنها وإغتيالها معنوياً .. فإن إستطاع فعل ذلك فسيكون وَسماً ككِّى النار على الجبين وذُلُّ الدهر وسُبَّةُ الأبد ، فعندما يتوارى الرُشدُ المجتمعى تهتَّز المُسلَّمات ويسقط النصيف وتبدوا العورات ..فالمجتمعات التى لا تُحسِنْ التعامل مع حاضِرِها وشُرطتها ستفقد أمنها ومستقبلها .. فنظرات الأسى فى عيون الشرطة تُنبِئُ عن خَطَرٍ متوقع ومغادرة وشيكة لمحطاتها .
حفظ الله بلادنا وأدام لها شُرطتها ، وأدام لها الأمن والأمان والإستقرار .
* د . إدريس ليمان *
* الأربعاء ١ ديسمبر ٢٠٢١م *

إنضم الى مجموعتنا على الواتس آب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى