أعمدة

مصطفى ابوالعزائم يكتب في (بعد ومسافة).. (حميدتي).. الأصل والصورة (!)

كان الإنطباع الشّعبي العام عن قائد قوات الدعم السريع ، الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) ، إنطباعاً جيّداً خلال الأيام الأخيرة للثورة وخلال الأيام الأولى لنجاحها ، بعد أن إتفقت القيادات العسكرية والأمنية المُكوِّنة للجنة الأمنية التي كان الرئيس السابق عمر البشير قد كوّنها برئاسة وزير دفاعه الفريق أول عوض إبنعوف ، على الإنحياز للثورة وإبعاد الرئيس السابق عن سدة الحكم بعد أن تفاقمت الأوضاع العامة من سيئ إلى الأسوأ.
قوات الشرطة_ آنذاك _ كانت في شبه إضراب تام ، والقوات المسلحة وجهت فوهات بنادقها نحو الأرض ، دون أن ترفعها في مواجهة الشباب الثائر ، وقوات جهاز الأمن والمخابرات الوطني تراجعت كثيراً عن تعاملها مع المتظاهرين أيام الثورة الأولى بعد أن أعملت أسلحتها في صدور المتظاهرين ، وظهرت لأول مرة قوات الدعم السريع بصورة واضحة في المشهد العام ، وراج وقتها أن الرئيس السابق إستدعى قائدها وطلب إليه قمع الاحتجاجات ، بعد أن شعر بثمة تراخٍ وتباطؤ في التعامل مع المتظاهرين من قبل القوات الأخرى ، لكن المفاجأة كانت في موقف قائد الدعم السّريع الفريق أول (حميدتي) الذي رفض الأمر جملة وتفصيلاً ، ونقل رأيه للجنة الأمنية التي وجدها متجاوبة مع رفضه ذاك ، وتم التخطيط الفعلي لإزالة النظام منذ يوم الإثنين لتتم الاطاحة به فجر الخميس.
الأسرار لا تظل أسراراً لفترة طويلة في السودان ، إذ سرعان ما عرف الناس الخبايا والخفايا ، وما حديث الأستاذ محمد وداعة الأخير إلا تأكيد على هذا الأمر خاصة في ما نسبه للفريق أمن مهندس صلاح قوش ، مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني وقتها وعضو اللجنة الأمنية . و قد تأكد للجنة الأمنية التي رأت أن النظام قد( إنتهى ) تأكد لها موقف قائد الدعم السريع خاصةً بعد أن رفض عضويّة المجلس العسكري لأسباب تتعلق بعضوية المجلس ورئاسته وموقفهم من الأحداث .
لذلك أكْبَر المواطن السوداني هذا الدور العظيم ، وبدأت صورة زاهية وإيجابية ترتسم وتتكون في دواخل الثوار والمواطنين عن قوات الدعم السريع وعن قائدها الفريق أول محمد حمدان دقلو المعروف باسم (حميدتي).. وهنا كان مكمن الخطر الجديد.
نعم.. لقد ظهر عنصرٌ جديد في ساحة العمل السياسي والعسكري ، عنصرٌ لم يكن له أي دور في صناعة القرار السياسي المباشر من قبل ، فأصبح بعد نجاح الثورة الشعبية صاحبَ دورٍ رئيس ومؤثر في كل المشهد ، بل أن ركائز إقليمية تسنده وتؤكد وقوفها معه ، مثل دول التحالف العربي الذي يواجه الحوثيين في اليمن الشقيق ، من خلال مشاركته بقوات فاعلة على الأرض ، أبلت ولا زالت تبلي بلاءً حسناً.
كثيرٌ من الذين إعتقدوا أنهم سيرثون نظام الإنقاذ من الأحزاب العقائدية التي جعلت من شباب الثورة واجهة لها ، لم تقبل بهذا الواقع الجديد ، وبعض الأحزاب القديمة رأت في دخول هذا العنصر الجديد ، تغييراً في موازين العمل السياسي يخل بكل الموازنات المحتملة أو التي يجري الترتيب لها.
اذاً ما هو الحل؟ لقد تعقّد المشهد كثيراً بدخول هذا العنصر الجديد ، خاصةً وإن القُوى التقليدية أو الحديثة رفضت أن تتفاعل معه لما يُشكِّله من مخاطر على وجودها وأوزانها في الساحة ، سواءً كانت هذه القوى من المعارضة القديمة أو من عناصر أخرى يحمل بعضها أقنعة النظام السابق .
جرى إتفاق غير مكتوب على أن الحل هو في حرق صورة هذا العنصر الجديد ، وبدأت الحملة المنظمة والممنهجة ، فأصبح نائب رئيس المجلس العسكري الذي هو قائد قوات الدعم السريع هدفاً للسخرية والتقليل من الشأن ، في مرحلةٍ ما ، بل وطالت الإتهامات كل قوات الدعم السريع وقام البعض بتحميلها كامل المسؤولية في جريمة فض الإعتصام وأي جريمة أخرى .
لقد تم حرق الصورة تماماً ، وصمت الدعم السريع ، وصمت قائده ، لكن حرق الصورة لم يكن يعني حرق الأصل ، فكانت المواقف الخطابية الجديدة من قبل المجلس العسكري ورئيسه ، ومن قبل نائبه قائد قوات الدعم السريع ، المواقف التي إرتبطت بمكونات إجتماعية مؤثِّرة تمثّلت في الإدارات الأهلية والطرق الصوفية ، وعامة الناس من غير أصحاب الإنتماءات الحزبية الضيقة أو الصارخة.. وكانت الخطابات مفعمة بلغة الصدق ومفردات البساطة وروح القرب من الناس.
إعتدلت الصورة وتعدّلت بعد ظهور الأصل وأصبح هناك لاعب جديد في ساحة العمل السياسي ، ربما يُصْبح نجم الموسم والمواسم القادمة… ننتظر .. و … نرى .

إنضم الى مجموعتنا على الواتس آب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى