مقالات

صلاح الكامل يكتب::: جدلية (التتريس) و(البمبان) !!

○ أدخلت ثورة ديسمبر ٢٠١٨م مصطلح (تتريس) الشوارع ضمن الإرث الثوري السوداني وذلك إضافة للكثير من المصطلحات والأفعال الثورية، ونبعت مقبولية (التتريس) كونه اعتمد من قبل الثوار -وقتذاك- لإغلاق الشوارع في وجه القوات النظامية أو ما اصطلح عليه وقتها ب(الكجر) لدرجة ان الثوار قد وثقوه أشعارا وادبيات كلها تدافع عن (الترس) وتدفع عنه، والغريب ان حالة (التتريس) استمرت حتي بعد التغيير الذي ذهب بالانقاذ وتسيدت هذه الفعلة واكتسبت مظاهر الثورية حتي الآن، ولم تذهب بعد ذهاب المبرر ولم تعد القوات النظامية تطارد الثوار حتي يكون (الترس) مقبولا واضحي يستخدم (التتريس) لإغلاق الشوارع في وجه المارة حتي يتجاوب المواطن مع الإعتصام المزمع او ما يسوق الي محاولة (المترسون) عرقلة حياة الناس الطبيعية من تسوق وتشافي وتواصل وسعي في امور المعاش.

○ علي الصعيد المقابل فإن السلطات الحاكمة اعتمدت إغلاق الجسور والكباري والطرق بالحواجز والحاويات المتنقلة (الكونتينرات) واستخدام البمبان بلا هوادة لمقابلة حركة الإحتجاجات الجماهيرية وكأن السلطات استوردت البمبان بمواصفات عالية لدرجة ان رائحته تستمر وتشم لمدة الايام ذوات العدد .. وغني عن القول ان استخدام (سلاح) الإغلاق والغاز المسيل للدموع بالنسبة لنظم الحكم (المحترمة) والتي تحترم مواطنيها في كل انحاء العالم يقتصر إستخدامه لمقابلة الحالات الطارئة أو العرضية ولمرات معدودة ليتسني للسلطة (اي سلطة) لتستعد للتعامل مع التجمهر بشكل لا يمس حياة الناس ولا يعطل مصالحهم ولا يكبح دولاب العمل .. الإغلاق والبمبان يستخدم كمضاد حيوي (انتيبيوتك Antibiotic) أو مسكن ولا يستوي أو يصح ان يضحي علاجا و الغاز المسيل للدموع يستخدم في الأساس لتفريق الشغب واحداث الفوضي وليست لمقابلة الجمهور الثائر في حال انه يمارس حركة الإحتجاج الثورية السلمية بعيدا عن التخريب اوالشغب.

○ بلحاظ كون الثورة -أي ثورة- كحدث تراكمي يتفاعل مع الواقع ويتماهي مع أهدافه الثورية ويعتمل حركة تجديد الحراك ويعتمد منطق تطور الفعل وفق الأحداث ومسيرها، بمعني انه يفترض ان تصنع الثورة حراكها في حالة تطور وفق المطلوبات وتمشيا مع المعطيات، فمثلا: اذا لم يفلح التجمهر في إيصال الرسائل والضغط علي السلطات للتجاوب مع المد الثوري يلزم تطوير أدوات الفعل الثوري علي شاكلة الإضراب مثلا او الإعتصام وكذا يندرج العصيان المدني في سياق الفعل الثوري وذلك في حال الثورة حائزة علي رضاء وقبول الجماهير اما اذا لا، فإن التوصيف بثورة لا يشملها.

○ في السياق المتصل فإن السلطات ملزمة بالإستجابة لمطالب الجماهير السلمية المقبولة وفي ذات الوقت يتحتم عليها تحت طائلة (درء المفاسد وجلب المنافع) ان تدرأ عن المواطن كل ما يعيق حراكه الطبيعي او يعرقل سعيه في تسيير أموره ولو دعا الداعي لإستخدام وسائل وأفعال قوية وإستحداث لوائح وقوانين حازمة في مقابل من يعطل حياة الناس ويوقف نشاطهم وخصوصا ان بعض المواطنين مرضي (كاتب هذه السطور مصاب ب”الأزمة” التي لا تحتمل شم مثقال ذرة من بمبان) أوبعض المارة يحملون مرضي او يسعون في امور لا تحتمل التأخير ولا التأجيل والمعيب والعجيب ان هذه الحالة (الجدلية) استمرت لأكثر من أربعة أعوام مما يشي بان هذا (الدور الجهنمي) في إعتمال (التتريس) كفعل ثوري وإعتماد (الإغلاق والبمبان) كترياق سلطوي سيحول حياة الناس لحالة تأزم لا تطاق ويعطل حياتهم بشكل لا يحتمل إستمرار الصبر عليه !!.

○ منشور في صحيفة الانتباهة الصادره اليوم السبت٢٠٢٣/٢/٢٥م صفحة٦

إنضم الى مجموعتنا على الواتس آب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى