مقالات

حزب الأمة في القاهرة البعد الاستراتيجي حاضر  بقلم  بروفيسور صلاح محمد إبراهيم

يزور جمهورية مصر وفد رفيع بقيادة رئيس الحزب الفريق برمة ناصر بدعوة من القاهرة ، وهي دعوة جاءت في وقتها في ظل حالة الانسداد السياسي التي تمر بها البلاد ، والموقف غير التقليدي الذي زج بحزب الأمة مع قوى غير تقليدية في الساحة السياسية ، اذكر أنني خلال فترة عملي بالقاهرة بسفارة السودان كنت أول من تنبه للصحفية الصاعدة في ذلك الوقت والتي أصبحت الان في مركز مرموق بمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بمؤسسة الأهرام العريقة د. أماني الطويل ، وكانت قد حضرت لمقابلة السفير المحترم  المرحوم د. عزالدين حامد احد اركان الدبلوماسية السودانية الحديثة والذي تعلمت منه الكثير ، وجاءت فرصة ووجهت لها دعوة لزيارة السودان وكانت تحضر لدراستها العليا متخصصة في الشأن السوداني، ظلت د. أماني الطويل منذ ذاك الوقت من أكثر الصحفيين والأكاديميين ارتباطاً بالشأن السوداني بجانب زميلتها في الصحيفة أسماء الحسيني مديرة التحرير بالصحيفة الان، وهما امتداداً لجيل من الصحفيين والكتاب وفي مقدمتهم محمود مراد الذي كانت لي علاقة وصداقة واحترام متبادلين لسنوات طويلة . سوف يجد وفد حزب الأمة حفاوة رسمية معتادة كعادة اشقائنا في مصر،وكذلك سوف يجد الوفد ترحيباً اعلامياً خاصاً في مؤسسة الأهرام وبقية المؤسسات الإعلامية الأخرى، واتمني أن يتم استثمار الزيارة في تحقيق تقارب وتعميق أكثر لعلاقة الحزب بمصر، فالحزب لم يعد حزب بريطانيا العظمي كما يعتقد البعض في مرحلة ما قبل الاستقلال ، وشهد زمن الصادق المهدي  توجه جديد للحزب ابتعد كثيراً عن سياسة الخارجية البريطانية في ( وايت هول).   في اعتقادي أن المتغير الجديد في العلاقات السودانية المصرية هو ما حدث في علاقة حزب الأمة بمصر خلال السنوات الماضية قبل وفاة السيد الصادق المهدي رحمه الله ، واظن أن المهدي قد حظي خلال  بعض السنوات التي قضاها في مصر عبر سنوات متفرقة بقدر من التقدير أتاح له التفاعل مع الكثير من النخب المصرية ، ثم العلاقات التي تمددت بين السيدة مريم الصادق المهدي والكثير من الفاعلين المصرين خاصة في وسائل الإعلام ، كل ذلك قد غير   في ما يبدو  الصورة الذهنية التي علقت بمكون الأنصار وحزب الأمة عن مصر بعيداً عن صورة مصر في عقل حزب الأمة في نسخته  القديمة التي تولدت بعد زيارة محمد نجيب إلى السودان عام 1954 ، وما تمخض عنها من أحداث ظلت عالقة بأذهان السودانيين لفترة طويلة. أظن أن الصادق المهدي والجيل الجديد في بيت الأنصار مثل على الأقل خلال العقد الأخير نقلة تعبر عن صورة ذهنية جديدة كسرت الحاجز الذي جاء بعد شعار ( السودان للسودانيين) الذي  جاء بتشجيع من بريطانيا لهزيمة  شعار وحدة السودان ومصر ، وهي سياسة بريطانية نجح الرئيس عبد الناصر في الانتصار عليها بعد زيارة محمد حسنين هيكل إلى السودان مع الشيخ حسن الباقوري في عام 1953، ومقابلته لكل من الزعيمين السيد على الميرغني والسيد عبد الرحمن المهدي ، والتي قام فيها هيكل بنقل صورة حقيقية للأوضاع في السودان ، كان من نتائجها فتح الطريق إلى استقلال السودان . نقلت بعض وسائل الاعلام مؤخراً أن مصر تقوم بدور للتوفيق بين بعض مبادرات القوى السياسية السودانية، وإذا ما كان ذلك صحيحاً أم لا، أقول ولماذا لا يحدث ذلك ؟  ولاحظت أن السيد مبارك الفاضل المهدي بين من  ورد اسمهم ضمن المبادرات ، وهو صاحب علاقة خاصة مع القاهرة ، ولكن في تقديري أن على كل من القاهرة وقيادة حزب الأمة   ايضاً أن ينخرطا في حوار أكبر من ذلك تكون القاهرة طرفاً  ووسيطاً يجمع بين أكبر حزبين  في وحدة خلال ما تبقى من الفترة الانتقالية ، وأقصد بالحوار الأكبر أن يلتقي كل من حزب الأمة بكل مكوناته والحزب الاتحادي الديمقراطي بكل مكوناته إلا من ابى في وحدة تخرج البلاد من الأزمة الحالية التي اصبحت تهدد الأمن القومي لوادي النيل، في ظل مخاطر إقليمية ومخاوف تتحدث عنها تقارير أجهزة المخابرات الدولية ومراكز الدراسات ، وحدة اشبه بلقاء السيدين الذي تم بعد تخلي الفريق عبود عن السلطة،  لقاء  ظل معلماً بارزاً في قدرة السودانيين على التوافق ، وأن يتكرر اللقاء  امر ليس بغريب أو  جديد فقد كان الحزبان شريكين  في حكومة الجبهة الوطنية التي سقطت مع انقلاب 1989، ويظل مثل هذا التوافق امراً مهماً وحاسماً في ظل الظروف والانقسامات التي يشهدها السودان الان ، واظن أن القاهرة تحتفظ بكل خيوط التواصل مع كل الفاعلين السياسيين في السودان بما يحقق حكومة القاعدة العريضة التي يتحدث عنها المجتمع الدولي في ظل الفوران الذي تعيشه الأوساط السياسية في السودان وحالة الانقسامات الحزبية والسياسية، تحتاج القاهرة لتوضيح موقفها لكل القوى السياسية في السودان ، فالقاهرة لها علاقة خاصة بالسودان ترتبط بمهددات أمنها القومي، وهي علاقة تختلف مع العلاقة بالدول الأخرى، واظن أن هذه العلاقة واضحة دون الخوض في تفاصيلها لكل الفاعلين السياسيين ، ولكن يبدو أن بعض الأصوات التي انتقدت الزيارة وتوقيتها لا تدرك الأبعاد الإستراتيجية في هذه العلاقة ، وهو أمر يحتاج للتأكيد في مثل هذه الزيارات، بعيداً عن التشنج والفوضى السياسية التي تمر بها البلاد ، فمصر تحتضن الان ملايين السودانيين أكثر من ما يوجد في دول الخليج العربي رغم الظروف الاقتصادية التي تمر بها، وهو وجود وتدفق ربما يتزايد مع تمديد خط السكك الحديدية بين البلدين الذي تم التوقيع عليه مع الكويت من جانب مصر مؤخراً، هذه العلاقة  في حقيقة تحتاج  لمزيد من التشاور والتفاهم العقلاني العميق وهذا ما نأمله من الزيارة.

إنضم الى مجموعتنا على الواتس آب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى