أعمدة

(بُعْدٌ .. و .. مسافة) .. مصطفى ابوالعزائم .. نحْنُ والإرهاب…!

عندما أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية في يونيو من العام 2016م تقريرها السنوي عن (حالة الإرهاب في العالم) العام 2005م ، كان كثيرٌ من المهتمين بالشأن الإستخباراتي في مجال الإرهاب ، يتنازعهم الإهتمام بمؤشرات تنذر بشر مستطير تضمنها ذلك التقرير ، وأخطار عظيمة تهدّد حالة (السّلم العالمي) إلى جانب (دهشة) كشف عنها البعض لعدم منطقية ما ورد في ذلك التقرير (ص 103) والذي جاء فيه ، لقد عملت الولايات المتحدة بشكل تعاوني مع الدولة (X) – إكس – في مجال مكافحة التهديد الذي تمثله القاعدة والدولة الإسلامية في العام 2015م ، وقد تضمّن التعاون الحدّ من إستخدام الإرهابيين لطرق العبور ، والتسهيلات عبر أراضي الدولة إكس .
وأما الدولة – إكس – في ذلك التقرير الأمريكي فهي جمهورية السودان ، وهو ما أثار دهشة بعض المراقبين والخبراء والمختصين ، مثل الدكتور “بيتر فام” مدير مركز أفريقيا بالمجلس الأطلسي (Atlantic Council) الذي كتب مقالاً تناقلته بعض المواقع الإسفيرية وقد إطّلعتُ عليه ، وهو مقالٌ تناول تلك القضية من منظورين ، سياسي ، ومهني ، وقال إن التأكيد الذي أوردته الخارجية الأمريكية في تقريرها عن أن واشنطن تعاونت إلى أبعد مدى مع الدولة – إكس – في محاربة تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية يثير الدهشة إذا عرف قارئ التقرير أن تلك الدولة ما زالت ضمن الدول المدرجة في قائمة الدول الراعية للإرهاب ، وإن تلك الدول هي جمهورية السودان !
إنتقد الدكتور “بيتر فام” السياسة الأمريكية تجاه السودان في ذلك الوقت ، وقال إنها غير متسقة ؛ إضافة إلى أنها غير عقلانية ، على الرغم من أن واشنطن لديها ملفات مفتوحة مع الخرطوم ، مثل المخاوف المشروعة بشأن العنف المستمر ، ووصول المساعدات الإنسانية ، والفضاء السياسي داخل السودان ، لكن تلك الأسباب لم تكن هي التي قادت الرئيس الأمريكي الأسبق “بيل كلينتون” إلى وضع السودان ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب في العام 1993م ، ليبقى حتى تاريخ صدور ذلك التقرير .
إذاً علينا أن نتساءل عن ما هي الأسباب الحقيقية التي أبقت السودان ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب؟ .. يجيب الدكتور “بيتر فام” عن ذلك بأن الأسباب تعود إلى دعم السودان لبعض المجموعات مثل منظمة أبو نضال ، والجهاد الإسلامي الفلسطينية ، وحماس ، وحزب الله اللبناني ، لكن الوقائع تقول إن “أبو نضال” – “صبري خليل البنا” – قد قتل في بغداد عام 2002م ، وفق تقارير الخارجية الأمريكية نفسها ، ولم ترد أي أنشطة لمنظمة أبو نضال في ذلك الوقت ، وهي غير نشطة كما ورد في تقرير حالة الإرهاب الأخير .
ويقول الدكتور “بيتر فام” معلقاً على تقرير الخارجية الأمريكية ، إن الحكومة السودانية سمحت في فترة ماضية لأفراد من مجموعة المقاومة الإسلامية (حماس) بجمع التبرعات والإقامة في البلاد، لكن في العام 2015م ، كما جاء في ص (301) من التقرير ، فإن نشاط استخدام المجموعات الفلسطينية (الإرهابية) للسودان قد إنخفض .. وإن الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس “بيل كلينتون” برّرت إتهاماتها آنذاك ، بأن السودان كان نقطة تجمع للجماعات الإرهابية ، وأنه إستضاف زعيم القاعدة “أسامة بن لادن” منتصف تسعينيات القرن الماضي ، والذي إستضافه الشيخ الراحل “حسن الترابي” الذي كان وقتها رئيساً للمجلس الوطني السوداني ، إضافة إلى أنه كان الأمين العام للحركة الإسلامية – كتبها الدكتور “بيتر فام” (الجبهة الإسلامية) لكن الدكتور “الترابي” فقد وظيفته في الحكومة بعد خلافه مع الرئيس السابق عمر “البشير” عام 1999م ، ومنذ ذلك التاريخ أصبح الدكتور “الترابي” من مرتادي المعتقلات حتى وفاته ، مع الإشارة إلى أن تقرير (حالة الإرهاب) الذي أعدته الخارجية الأمريكية أورد أن دعم السودان لتنظيم القاعدة قد توقف .
كان مقال الدكتور “بيتر فام” جديراً بالمتابعة والقراءة والتعليق لأهمية الموضوع ، وأهمية الكاتب الأكاديمية والبحثية وإمكاناته الهائلة في التحليل .
بعد ذلك قامت الحكومة السودانية آنذاك بإعتقال “أمينو صادق” بالخرطوم ، وهو المتهم بأنه العقل المدبر لتفجيرات (بوكو حرام) عام 2014م ، إضافةً إلى وقائع أخرى تتصل بدخول السودان كجزء أساسي من مكونات التحالف العربي السني الذي يحارب في اليمن ، وحتى إعتقال “مريد ميزاني” الإريتري الذي اشتهر باسم (الجنرال) والمتهم بأنه أكثر تجار البشر المطلوبين لدى إيطاليا .
لقد تغيرت خريطة الحكم والسياسة في السودان ، ولم تزل الكثير من الحكومات تتعامل مع الخرطوم بذات الوساوس والمخاوف التي كنا نرى أنها قد تبددت حتى من قبل الثورة الشعبية التي أطاحت بنظام الحكم السابق ، نحن نرى الآن إن البعض يسعى إلى أن يجعل من بلادنا ساحةً لصراعاته السّياسية مع الآخرين ، وهذا يتطلب منا إعتماد مبدأ الحيطة والحذر في التعامل مع الآخرين ، فالأطماع الخارجية ما زالت قائمة ، ونخشى ما نخشى أن تسعى بعض القوى الإقليمية إلى إعتماد مبدأ السياسات الخشنة في التعامل مع خصومها ، وهو ما قد يؤدي إلى زعزعة وإستقرار العلاقات بين بعض دول الإقليم .

Email : sagraljidyan@gmail.com

إنضم الى مجموعتنا على الواتس آب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى