أعمدة

*مصطفى ابوالعزائم* يكتب في (*بُعْدٌ .. و .. مسَافَة*).. *نحن أمام أنفسنا وأمام مرآة العالم … !*

لحظة تاريخية بحق كنت أحد شهودها داخل إحدى قاعات القصر الرئاسي الجديد في الخرطوم ، وشهدها الملايين خارج القاعة ، عندما وقّع الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان ، رئيس مجلس السيادة ، والدكتور عبدالله حمدوك رئيس مجلس الوزراء ، على الإتفاق السياسي قبل يومين ، والذي جاء ملبّياً لتطلعات الملايين في بلادنا ، حتى لا تنزلق إلى مهاوي العنف والمواجهات والفوضى .
أكاد أكون من المتابعين بدقة وقلق ، لتطورات الأحداث منذ الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي ، فالذي حدث كبير ، وهو بمثابة إعلان الطلاق بين مجموعةٍ إختطفت ثمار شجرة لا تملكها ، وعرضت تلك الثمار في أسواق السياسة ، بينما شركاء كُثر رأوا أنهم من صناع الحدث ، لكن تم إبعادهم عن قصد ، وهذا ما فعلته المجموعة التي تحكّمت وحكمت دون شرعية تجعلها تعمل على إقصاء الآخرين ، فأصبحت الفترة الإنتقالية فترةً ” إنتقامية ” لتصفية الحسابات ، دون وعي سياسي بالمخاطر التي قد تهدّد وحدة البلاد وأمنها القومي وسلامتها العامة ، فحدث ما يمكن أن نسميه ب ( الطلاق الصامت ) بين المكوّن المدني المتسلّط ، وبين المكوّن العسكري الذي كان يرى تلك المخاطر في الأفق السياسي .
نحن مع الديمقراطية ، ومع مدنية الدولة ، ومع الشرعية التي تجيء عن طريق الإنتخابات ، لكن بعض القوى السياسية لم ترد للبلاد أن تصل إلى محطة الإنتخابات ، لأنها كانت حاكمة دون تفويض ، وهي تعلم أنها لن تبلغ مقاعد السلطة بالانتخاب ، فالأوزان السياسية معلومة ، وكذلك الأحجام .
الشباب الذين صنعوا الثورة هم أكثر من أصابه الإحباط ، فقد وجدوا أنفسهم خارج دوائر الحكم والرقابة واتخاذ القرار ، وكانوا ينظرون بأسىً وحزنٍ بالغين لما يجري في ( كابينة القيادة ) وكيف تتغلب الأجندة الحزبية ، والمصالح الشخصية على المصلحة العامة ، وخير مثال لذلك ، هو تناقض مواقف هذه الأحزاب من رئيس الوزراء الدكتور عبدالله حمدوك ، قبل وبعد عودته .
وكان الشباب ينظرون بأسىً بالغ إلى المجموعة التي وأدت أحلامهم وأجهضت آمالهم من خلال عرقلة الإنتقال ، والفشل في تنفيذ وتطبيق شعارات الثورة المتمثلة فى الحرية والسلام والعدالة ، بل والفشل في تحقيق الأمن الغذائي وتخفيض أعباء المعيشة ، والعمل على توفير معاش الناس طوال فترة الحكم الإنتقالي بعد الثورة من خلال حكومتين ، كل واحدة منهما أفشل من الأخرى .
وطوال تلك الفترة لم يتحقق إنجاز واحد له أثره الملموس على أرض الواقع ، سوى تحرير أراضي الفشقة وكل المناطق التي كانت احتلتها المليشيات الإثيوبية منذ نحو ربع قرن ، وهو إنجاز لا يُحسب لتلك المجموعة ، بل يحسب للجيش السوداني ، الذي حقق ما لم يتحقق من قبل بسبب المناورات السياسية ، وأساليب المتاجرة بالمواقف .
ويبدو إن الصورة كانت واضحة للجميع ، فالذي إستمع وشاهد اللقاء الذي أجرته هيئة الإذاعة البريطانية في خدمتها العالمية مع ” تيبور ناج ” مساعد وزير الخارجية الأمريكي السابق للشؤون الإفريقية ، يوم أمس الأول عن الإتفاق السياسي بين البرهان وحمدوك ، وقد سأله المذيع عن أثر القوى الرافضة لهذا الإتفاق وهي قوى الحرية والتغيير ، فكان رد ” تيبور ناج ” إنه لا يمكن أن نتحدث عن كتلة واحدة إسمها الحرية والتغيير ، لأن هذه هي الكتلة توحدت للإطاحة بنظام البشير ، ثم تفرقت وتشرذمت بعد ذلك ، وأضاف قائلاً : ( لو وضعت عشرة أشخاص من قوى الحرية والتغيير في غرفة واحدة ، وطلبت منهم رأياً في قضية ما ، فإنهم سيأتونك بأثني عشر رأياً مختلفاً .)
هكذا ينظر العالم إلينا

إنضم الى مجموعتنا على الواتس آب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى