مقالات

اتفاق (البرهان – حميدتى – حمدوك).. المناسب فيه المكاسب بقلم الاستاذ نصر الدين العبيد

تظل الثورة تبحث عن ثورة حتى تستكمل اهدافها ففترات الانتقال فى الثورات السودانية السابقة مثل ثورة اكتوبر1964 وثورة ابريل 1985 كانت قصيرة جداً مقارنة بثورة ديسمبر 2019فصغر الفترات

سابقا لم يمكن الناس من اكتشاف عيوبها وفشلها لكونها فترة مناولة حافظة على مكانة سائدة ولم تواجهه مشاكل مثلما واجهت ثورة ديسمبر 2019 فالواقع الذى نشاَ من الثورة الناقصة وضع الناس بين خيارين نظام قبيح ذهب ونظام اقبح اتى فكان لابد ان يكون هناك طرف ثالث يمثل السواد الاعظم من الناس الغير مهمومين بالحكم الذين يريدون ان يعيشوا مرتاحين فهؤلاء لن يقبلوا ان نخيرهم بين قبيح واقبح بل انهم سيرفضون الخيارين معا لان الثورة لن تكتمل بعد وبالتالى فهم لن يكونوا ضحايا لذلك التغيير ولعلهم اخذوا العبرة من الثورات التى قامت فى بلدان من حولنا حيث هرب الكثيرون من ويلات التغيير بحثا عن وطن بديل وان لم يكن كذلك لماذا فشلت الحكومات المنتخبه بعد ثورتى اكتوبر 1964وابريل

1985

فغياب المشروع السياسي الوطنى عن الحكم يعنى حضور الفشل لان المشروع السياسي الوطنى يعمل على توليد دولة المؤسسات الراسخه المحصنة، تذهب الحكومة وتبقى الدولة بمؤسساتها الغير قابله للكنس والازالة والمثال لذلك (مصر والجزائر )فالمعروف ان الحاكم فى العالم الثالث عليه ان ياتى بحكمة تجمع النقيضين معاً مصالح شعبه ووطنه ومصالح مايسمى بالمجتمع الدولى فان انكفأ على مصالح وطنه وهدد مصالح المجتمع الدولى سار عليه المجتمع الدولى وهو اقدر وعجل برحيله وهذه المصيبة لازمتنا لمايربو عن السبعين عاما لم ننجح طيلة هذه الفترة فى بناء دولة المؤسسات العتيدة وكل ما انتجناه ودرنا حوله هو الحكم بمؤسسات الدولة فتذهب الدولة باكملها مع التغيير والمؤسسة الوحيدة التى ظلت باقية هى المؤسسة العسكرية لانها هى الضامن. والحارس له والمؤسس الاصيل لاى فترة انتقالية ولعل السبب يعود لقومية ووطنية المؤسسة العسكرية ..

فكان المنتظر من ثورة ديسمبر ان تدير حوارا شاملا يؤسس لقيام دولة المؤسسات المستقرة التى لاتتغيير مع الحكومات غير ان الانشغال بامور ليست من مهام الفترة الانتقالية افشل بدايتها واستدعى التوقف لتصحيح المسار ووضع الثورة فى نصابها وذلك هو ماحدث فى الخامس والعشرين من اكتوبر وان كان مفاجئاً وغيرمقبول للبعض لكنه كان ضرورياً ومبرراً لان الياس تملك الشعب باثره واعلن عجزه التام عن الوفاء بمطلوبات الحياة اليومية ويرى ان الحكومة تتجاهل محنتة وتتهاون فى امر معاشه فضلا عن غياب ملامح وسمت الفترة الانتقالية المعروفة بانها فترة قصيرة ذات واجبات محصورة فازدادت المخاوف من تطاول امد الانتقال خصوصاً وان الحكومة نفسها لم تباشر عملا واحدا من اعمال الاستعداد للتحول الديمقراطى (كالاحصاء وتنظيم الحياة السياسية ) فظن الناس ان الحكومة هذه تحكم بنية التابيد وأن المعاناة هى الرفيق فخاف النا س من فقدان التضامن الوطنى حول قضايا السودان المصيرية مثل تحقيق الوحدة الوطنية واقرار التداول السلمى للسلطة واعادة تاهيل السودان اقتصاديا ليكفل العيش الكريم لابنائه بعيدا عن الاغاثات وبرامجها مثل (ثمرات) لذا كان التغيير مطلوباً وكذلك الاتفاق السياسي الذى تم فى الحادى والعشرين من نوفمبر مرغوبا كما التغيير ولم يخيب الامال وقطع الطريق على التمزق والتشتت وضياع الهدف وجاء ملبيا ليس لطموحات السواد الاعظم فحسب كما انه لفت الانتباه لخصوصية الفترة الانتقالية التى يجب ان تنفتح على المشاركة الاوسع والاتفاق الاجمع لتستمد قدرتها الخاصة كما استمدت شرعيتها الخاصة من الوثيقة الدستورية التى حددت مهام الانتقال واهدافه والتى لامناص من تحقيقها طالما انها مرتبطة بقيد زمنى معلوم فكان لابد من مواءمة الاستعداد مع مطلوبات الانتقال الواجبة التنفيذ لانها قضية مصير ظل السودان يبحث طوال ثوراته للحكم المستقر .

فالمبادرة التى قادت للاتفاق السياسيى بين رئيس مجلس اليسادة الفريق اول ركن عبد الفتاح البرهان والدكتور عبدالله حمدوك رئيس الوزراء عالجت الفصام بين القوى السياسية فيما بينها من جهة والادارة الاهلية من جهة اخرى باعتبار ان الادار الاهلية هى الراعى المؤتمن والحريص على الاستقرار.

ولذا نرى ان الاتفاق الساسي الاخير جسد لحنكة وخبرة القادة الثلاثة الكبار عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو وعبدالله حمدوك فقد اظهرت الازمة انهم زعماء لهم المقدرة على تجاوز المواقف المريرة والانتصار للسودان والتسامى فوق الجراحات والمرارات الخاصة فهذه اخلاق زعماء نستطيع ان نقول ان السوان بخير وان قادته متحررين من الاطماع الشخصية ويتواضعون من اجل السودان واستطاعوا رغم الضغوط الكثيفة والخلافات العميقة بين قوى الحرية والتغيير التى ظلت طيلة الفترة السابقة تعرقل مسار الانتقال باثارة الفتن والخلافات وبمحاولاتها المستميت فى شيطنة القوات المسلحة وقوات الدعم السريع والاجهزة النظامية الاخرى والتقليل من دورها ومحاولة الصاق كل الاخفاقات الامنية وغيرها بهذه القوات على الرغم من دورها المشهود فى تامين البلاد فى تعاون وتلاحم منقطع النظير فالاتفاق يذكرنى بمؤتمر الطائف 1982 الذى اجتمعت فيه الفصائل اللبنانية واتفقت على بقاء لبنان حر ومتماسك وينعم البنانيون

من وقتها بمزايا الاتفاق ذاك

ثم ان الاتفاق اظهر ايضا ان الشخصيات القومية والحزبية حاضرة وقادرة على المساندة فى الخروج بالبلاد من ازماتها واظهر على وجه الخصوص القدرات الهائلة والهمة الرفيعة لللجنرال عبد الرحيم دقلوالذى كان الشخصية المحورية فى تقريب وجهات النظر للخروج بهذا الاتفاق الذى دفع بعملية التحول الديمقراطى نحو خطوات التنفيذ وهنا يجب ان نقف عند حقيقة مهمة ابرزتها الازمة الاخيرة فقد دحضت ادعاء المدنيين لاحتكار الحكمة وان التجربة العسكرية بينت شخصيات كانت لها البصمة الواضحة

فى تاريخ بلدانها حتى فى امريكا

اجمالا يمكن القول ان الاتفاق انتزعنا من احضان الاختلاف والتشرذم والكراهية وكذلك احيا الامال بان الفترة الانتقالية قد تعافت وتقودها حكومة كفاءات لها القدرة على تحقيق المطالب المرسومة والاستجابة لشروط الانتقال بالاعداد لانتخابات حرة منتظرة والتى نعتقد انها ستكون مختلفة لان الشعب اخذ يقوى اواصر صلاته متجاوزا الاحزاب وخلافاتها ويجدر بنا ان نؤكد هنا ان اتجاهات التفكير فى القضايا الوطنية تغيرت تماما والحوار الذى كان محدودا ومختصرا على الاحزاب بات جاذبا وفيه متسع لكل الناس خصوصا الشباب الصاعد بقوة . ولذلك ليس من الصحيح ان يدعى البعض ان الدكتور عبدالله حمدوك خان حاضتة السابقة فى مقابل الخطوة الشجاعة التى قام بها فى التوقيع على الاتفاق السياسي لان المعروف بداهة (ان من يريد بناء مجده الخاص يلجا للعناد ومن يريد بناء مجد امته ينقاد) فالقادة الثلاثة البرهان وحميدتى وحمدوك لانوا بوعى كبير وتصدوا للمسئولية فى وضع اقليمى معقد بسبب الحروب المشتعلة ومجتمع دولى طامع مضافا الى ذلك وضعا داخليا يعانى من ازمة اقتصادية خانقة تناسلت مع ازمات اخرى رهيبة وضعتهم امام تحدى تاريخى فهل نحن على اعتاب حقبة جديدة فى تاريخ السودان السياسي؟ .

إنضم الى مجموعتنا على الواتس آب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى