الأخبار

سهير عبدالرحيم تغرد : الرجال في الفشقة

تناولت وجبة إفطاري الرمضاني يوم الجمعة 9 رمضان داخل معسكر قوات الشعب المسلحة بمنطقة القريشة على تخوم الحدود مع دولة إثيوبيا.

وصلت ورفاقي ساحة الحامية نهاراً تجولنا داخل المعسكر، بين الدبابات و المدافع و الخنادق و سلاسل الرصاص المعقود على ألوية الحسم.

الوجوه الصارمة و القاشات المكروبة و الأيادي المعروقة و هيبة الكاكي تخبرك أن هؤلاء هم الرجال

دخلت الخندق معهم و شمس أبريل الحارقة تصقل بشرتهم الأبنوسية خشونة و قوة

هممت بالصعود إلى جوارهم في التاتشرات أختل توازني للحظة فوجدت عشرات الأيادي تمتد سنداً و متكئاً و رفقاً ، لا يسقط أحد هناك فتلك بقعة الرفعة و التماسك و الصمود

اجتهدت لاحقاً في محاولات فاشلة ل(عواسة ) عصيدة الدخن المُر طعام الجنود و التي يصعب الإمساك ب (مفراكتها ) ناهيك عن تذوقها .

جنودنا في الحدود يأكلونها ولسان حالهم يقول اسقني بالعز طعم الحنظل …ألا لعنة الله على مندي و مظبي و برياني السفارات

عزيزي القارئ، جنودك في الفشقة شعث غبر تاهت من وجوههم علامات الراحة و خطت القفار والشمس والحشائش اليابسة ملامحهم ، لا يعرفون ماذا تعني كلمة سرير و وسادة وغطاء كما لا يعرفون معنى جهاز تكييف الهواء .

ينامون بنصف عين ، فالعينين واحدة مفتوحة ونصف الأخرى على الزناد ، يتوسدون صفق الأشجار و يستلقي جسدهم بجانب الأشواك و أفلام بوليوود و هولييود التي يتابعونها عبارة عن لسعات كل أنواع الحشرات الزاحفة و الطائرة.

ولا بأس إن قام أحدهم للوضوء أن يبعد ثعباناً كان مختبئاً داخل بوته أو يهش على عقرب كانت تقبع أسفل برميل صفيح يشرب منه هو و الصدأ معاً ولا عزاء للمياه المعدنية و صافية واخواتها في ورش ( اليونتامس ).

أكرموا مقدمنا بشراء مياه صحة لنا ، فمعدتنا و جهاز مناعتنا تعودا على التنقية و الفلترة في خرطوم البؤس و الزيف و العار ، أما معدتهم فلسان حالها يقول نشرب أن وردنا الماء صفواً و يشرب غيرنا كدراً و طينا

جنودنا هناك يبدأون يومهم بتمارين القوة والجسارة ، و يعقدون على نواصي قلوبهم وصيتهم لاخوانهم و أبناءهم فالموت هناك ضيف أصيل وثقيل يتكئ على الجانب الآخر من الحدود يشرع بندقيته تجاه صدور جنودنا فلا يفرون ولا يولون الدبر ، ولا يعرفون غير الإقدام مطمحاً و عقيدة ، فيتثاءب الموت أمام صمود الرجال

رجال الفشقة يؤمنون بأن توضيب البندقية و نظافة الدبابة وحشو الرصاص بمثابة قهوتهم في مطعم أوزون الخرطوم .

يرصون مدافعهم في الخنادق بينما يتسكع آخرون في شارع النيل و يتأكدون من حزم قاشاتهم بينما يتخلى عنها آخرون في مزادات السفارات

يغسلون وجوههم من ترعة فتزيل المياه نصف التراب عن وجوههم و يتركون الباقي لتمويه رصاص الأعداء بينما يستلقي ( سكير ) في (جاكوزي ) كورنثيا و هو يطالب بإعادة هيكلة هذا الجندي .

طعامهم بليلة و عدس ولا يعرفون السوشي ولا الاستيك بالفطر ولا شوربة المشروم ، يعلمون أن السَلطة هي البصل ولا عزاء لشيفات روتانا الذين يجتهدون في وضع ستة عشر نوعاً من السلطات في بوفيه الفندق .

يقيمون صلاتهم بتكبيرة الخشوع و يركعون حمداً لله على نعمة أنهم رجال و يسجدون وجباههم تناطح عنان السماء فخراً و عزاً بحمايتهم للحدود و الوطن والعرض .

الرجال في الفشقة وليس الذين يصفقون لفولكر

الرجال في الفشقة وليس الذين يستدعون البعثة الأممية لتمكنهم من الكراسي

الرجال في الفشقة وليس الذين يقيمون و يتقيؤون كرامتهم في منزل السفير السعودي

الرجال في الفشقة وليس الذين يفطرون رمضان في شارع ( زيرو )مع السفير الأمريكي

الرجال في الفشقة وليس الذين يشربون الخمر ليلة السبت مع السفير البريطاني

الرجال في الفشقة وليس الذين يرقصون على ايقاع واحده و نص في القنصلية المصرية

في الفشقة نمنا مطمئنين أن أسوداً تحرسنا رغم وجود عصابات الشفته الاثيوبية على الجانب الآخر ، أما في الخرطوم فننام على القلق رغم أن منازلنا تبعد بضع كيلومترات عن القصر الجمهوري…

الأمان ليس في الموقع الجغرافي لك
ولكن في مْن يحرسك ….!!!

إنضم الى مجموعتنا على الواتس آب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى