المخابرات بين الاستراتيجيات والتجاوزات!. بقلم بكري المدني
* في مصر القريبة بعد العمل في جهاز المخابرات العامة مفخرة لا ينالها إلا محظوظ ويعتبر أعضاء الجهاز أبطالا وكذلك مصادره يحسبون من الوطنيين الذين يقومون بأعمال كبيرة لأجل وطنهم للدرجة التى وثقت فيها السينما المصرية بعض هذه الأعمال لدرجة المبالغة التى لا يتصورها خيال احيانا ولكن عندنا في السودان تعتبر كلمة (امنجي)اتهاما بدلا عن ان يكون الإنتماء للمخابرات العامة او التعاون معها محل تقدير او على الأقل شيء طبيعي مثله مثل المهن الأخرى فهل ليس لبعض منسوبي المخابرات المصرية تجاوزات مثل التى وقعت ويمكن ان تقع من بعض منسوبي المخابرات السودانية ؟! المؤكد ان الإجابة (لا) وان لكل أجهزة المخابرات في العالم تجاوزات وبعضها لا تقارن بتجاوزات المخابرات السودانية في كل العهود ولكن الفرق بيننا والعالمين انهم يفرقون ما بين التجاوزات التى تستوجب الإدانة والمحاسبة والإستراتيجيات التى لأجلها قامت أجهزة المخابرات وهي حماية الأوطان وتوفر الأمن للناس ومسمى جهاز الأمن أصلا لهذا الدور
* لقد انسحبت تجاوزات بعض منسوبي جهاز الأمن والتركيز عليها أكثر من انجازاته على سمعة هذا الجهاز وأعتقد ان ذلك بدأ مع العهد المايوي واستمرت لتصبح فى كثير من الأذهان هي الصورة المتخيلة لجهاز الأمن دون الأدوار الكبرى التى قام ويقوم بها والتى تقع على قائمة الاستيراتيجيات بالنسبة لمؤسسة المخابرات العامة مقابل التجاوزات التى من المفترض ان تحسب على الأفراد مثلها مثل شواذ القواعد وأخطاء المهن الميعقة والمميتة أحيانا سواء بقصد او بدون قصد وكلها يجب ألا تعفي المتسبب فيها من المحاسبة ولا تكفي فقط إدانتها بالكلام ولكن أن يحسب البعض ان المخابرات ما قامت الا لمطاردة الناشطين في العمل السياسي وارتكاب بعض منسوبيها التجاوزات في حقهم فهذا المفهوم الخاطئ يحتاج للمعالجة تماما مثلما تستحق التجاوزات المحاسبة
* مناسبة الحديث أعلاه تعيين إدارة جديدة لجهاز المخابرات العامة ممثلة فى الفريق أول ابراهيم المفضل وترتيبه بدورة لكابينة قيادة المخابرات من جديد وإعلانه عن خطة للعمل ملخصة في الإهتمام بالتدريب والتأهيل وترقية بيية العمل و(القومنة)إضافة الى طرحه مبادرة وطنية تسهم في الاستقرار ورتق النسيج الإجتماعي وتزامن ذلك مع إعادة بعض مهام المخابرات إليها بموجب حالة الطوارئ القائمة ومنها حق القبض والتفتيش والاعتقال وما الى ذلك من قوانين وإجراءات استثنائية وفق متطلبات المرحلة وجاء ذلك بعد ان كانت الوثيقة الدستورية قد نصت على تحديد عمل المخابرات العامة في جمع وتحليل المعلومات فقط ورفعها للجهاز التنفيذي للدولة للتقرير بشأنها أي ان يصبح الجهاز مثله مثل أي مركز معلومات أو دراسات ولكن التطورات على الأرض والتحديات المحيطة بالبلاد هي ما دفعت قيادة الدولة لإعادة تشكيل جهاز المخابرات العامة وإعادة بعض المهام إليها على النحو المعلوم والذي فهم من البعض على نحو الصورة المتخيلة في الأذهان عن عمل المخابرات المذكورة أعلاه!
* رغم ان السودان من أكثر دول العالم التى توجد بها قوات عسكرية ولأي من هذه القوات وحدات للاستخبارات خاصة إلا أن السودان يعتبر اليوم من أكثر الدول أيضا التى تواجه تحديات أمنية تهدد سلامته واستقراره وبقائه على خارطة الكرة الأرضية ولا أحسب في الراهن المعاصر ان هناك عاصمة في الدنيا مخترقة بالغزو الاستخباري مثلما هو حال الخرطوم الآن والتى باتت تنشط فيها المنظمات والسفارات والتى كثير منها في الأصل هي واجهات لمخابرات دولية وإقليمية وتنام في الخرطوم كذلك الخلايا الإرهابية وتصحو مع الناس في الأحياء والأسواق وتشارك هذه الأجسام مجتمعة السودانيين الطيبين كل الأنشطة بما فيها النشاط السياسي والبعض يرى مع هذا الحال تحديد مهام الجهاز في جمع المعلومات فقط رغم أنها أصبحت متاحة وتحتاج فقط التعامل السريع معها بل يمضي بعض الطيبيين جدا أكثر من ذلك ويروون ضرورة حل الجهاز نفسه !
* ان جهاز المخابرات العامة في هذه المرحلة الانتقالية الاستثنائية من عمر البلاد من المفترض ان يجد الدعم والمساندة وتقدير العاملين فيه وعمل جميع المواطنين معه في وظيفه المصادر التي تعمل على حماية بلادها من اي تهديد يستهدف أمنها واستقرارها ومن المفترض ان تقابل اي قوانين وإجراءات توكل للجهاز بفهم كبير وبالنظر للاستيراتيجيات الموكلة إليه وكل ذلك جنبا الى جنب مع رفض اي تجاوزات يمكن ان تقع من بعض منسوبي الجهاز وإدانتها اخلاقيا ومحاسبة من يقومون بها قصاصا وعدالة تساوي خيانة الأمانة والرسالة لعمل المخابرات العامة