د. عمر كابو يكتب في (ويبقى الود) .. *رحمة من الله عليك محجوب أحمد موسى*!!!
أشهر جوده و زهده وتواضعه في وجه السأم والظلمة والزمن الكسيح فساد الناس كلهم وتربع على كرسي العظمة فارسًا أوحد لها وإمامًا وسيدًا لقلوب عارفيه.. تواضع واقتصد في زيه ومشيه واتخذه منهج حياة عن فلسفة واعتدال ولو أراد مظهر التيه والخيلاء أصالة لجلس متحكرًا في مقدمته لكنه بذكائه المعهود وببصيرته النافذة عرف قدر الدنيا ومقامها تماما أنها لا تسوي شيئا:(خربانة أم بنايا قش) فعافها بإحسان وعاشها بزهد العارف راضيا بالقليل منها في نقاء وطهر الطيبين٠
إنه أبو الجميع محجوب أحمد موسى رمز الطهر والعفاف والزهد بولاية القضارف التي بكته البارحة وقد فاضت روحه بعد رحلة علاج قصيرة بالقاهرة فجاء محمولا منها على نعش ليخلف فينا جرحًا هيهات هيهات أن يندمل..
هل كانت مصادفة أن يشار علينا ونحن حينها لم نزل صغارًا يافعين نمني النفس بشراء معدات رياضية لفريق الحي بأن الحل عند السيد محجوب أحمد موسي فيممنا وجهتنا لمكتبه في مستشفى القضارف كانت تلك أول مرة نلتقيه كفاحًا في حوش المستشفى وقبل أن نمد إليه الأيدي مصافحين باغتتنا امرأة بدأ على وجهها التعب وذل الحاجة وانكسار السؤال ألقت عليه التحية وأردفت :((أنا قاصداك وجاياك من حي…وخليت عيالي جيعانين وقالوا لي مافي زول بقيل عثرتك بسرعة غير محجوب تراا أنا جيتك)) فأدخل يده بسرعة شديدة في جيبه وأفرغ كل مافيه من نقود ودفعها إليها دون أن يعدها أو يحصيها وأردف قائلًا لها: -((قبل ما تكمل بيومين تعالي للمكتب ده ولو ما لقيتيني اسألي من على هاشم سيخلص ليك موضوعك مع السلامة)) ثم ألقى التحية علينا وهم بسؤالنا فأخبرناه عن مقصدنا فقال:- ((ابشروا جيتوني مابردكم انا ماعندي هسع لكن تعالوا معاي)) وذهب بنا إلى متجر رياضي وسلمنا مبتغانا٠٠ فمنذ تلك الحادثة التصق بذاكرتنا أنه أجود الناس ووأسعهم ندي٠ لم يرد طالب مسألة أو حاجة باذلًا نفسه و ماله لكل صاحب حاجة٠ ينطلق في ذلك من نفس محمولة على الرضا مروضة لقضاء حوائج الناس مدخرة لفعل الخيرات في تواطؤ غير معلن بينها وبين الجود والكرم بعد أن سهل لعقله الباطن أن ينفتح بشكل مباشر على استقبال جميع هموم الكافة من دون ضيق أوتبرم ٠٠٠فبقي فينا دوحة وارفة الظلال في هدوئه وسمته وفي حديثه وصمته..
محجوب أحمد موسى ياسادة رجل استثنائي في كل شيء يعز أن يجود الزمان بمثله أبدًا مثلما يصعب نسيان فراقه بل من المستحيل مطلقًا أن نعيش من دون أن نذكر مواقفه ومآثره العظيمة المؤثرة في حياتنا فإني أكاد أجزم بأن لكل واحد من أهل القضارف معه قصة وقصة فيها مايغري للتوثيق عن رجل فني و أفنى حياته من أجل الآخرين..
أحب نادي الأهلي فمنحه جهده وعشقه وماله وكل دنياه وعشق القضارف فخلدت بدواخله وحملها أجمل أيقونة
ورددها أغنية في حله وترحاله تبرجت عنده معانيها وصحت مفرداتها على وقع شدوه الكثيف فيها موغلًا في معانقة خيالها وقد ذاب فيها عشقا ووجدا سرمديا٠
عاش إداريًّا رياضيًّا فذا بوضاءة منهجه وسماحة تعامله ورقة مشاعره وصفاء روحه وجمال منطقه..
محجوب أحمد موسى ظل رئيسًا للنادي الأهلي لأكثر من ثلاثين عامًا طيلة هذه الفترة لم يشتم حكمًا ولم يسيء لاعبا ولم يحتكك بجمهور ولم يلعن ناديًا ولم يخاصم إداريُّا في ناد منافس له لجهالة أو ضلالة فقد كان دومًا أسرع الناس عفوا وأحضهم صفحا عمن جاوز أو ظلم..
ولطالما سافرنا ثلاثتنا هو وفاروق أبوسن وأنا متنقلين مع ممثل القضارف في تمهيدي الممتاز ولأن المرء تعرف أخلاقه عن كثب في الأسفار وعلى كثرتها كان أسرعنا في خدمة الآخرين يؤثر على نفسه في الراحة والإطعام والمقعد والفراش الوثير..
فحياته كلها كلها شكلت حالة وجدانية وقيمة في حد ذاتها لما لها من عمق وتميز صدقًا ونزاهة جودًا وبذلًا صفحا وإيثارًا للآخرين.
لقد رحل عن الفانية ومضى بعيدًا عنا بسرعة تخطفه حمام الموت من غير أن نتهيأ لفراقه فإن تفقد القضارف محجوبنا فقد فقدت بابًا من أبواب الأمل والرحمة والرجاء،
وإذ نبكي محجوبًا فإننا نبكي مستودع الحكمة رفيق الأنأة موطأ الأكناف٠٠
لعل دموع آلاف المستقبلين من أبناء القضارف لجسده الطاهر بأرض المطار كانت تشير من طرف خفي إلى أن المشيع عظيم القدر وأية عظمة تفوق (أبا حسن والسر وكمال وأحمد ومحمد المعتصم وزينب)
لكم الله ولنا أستاذنا دكتور محمد المعتصم في مصيبتكم العظيمة التي تنوء بحملها الجبال و أسأله تعالى أن يتولاكم و يفرغ عليكم و على آلكم الكرام الصبر والسكينة. أما أنتم أهلي وعشيرتي في ولاية القضارف فإن الموت اختار هذه المرة أحسن الناس إليكم وأقربهم منزلة حين ألفكم وألفتموه أبا لنا جميعا (أواكم الله وعزاكم الله) ٠
إنا لله وإنا إليه راجعون..