فضل الله رابح يكتب في (الراصد) .. زيادة سعر المحروقات .. الحرب الكبري علي الإنتاج .. !!
أوردت صحيفة ( الإنتباهة ) عدد الأحد 6 فبراير 2022م تقريرا مهما عن زيادة أسعار الوقود كشف من خلاله مدير إدارة التشغيل بشركة بشائر المهندس صديق عبدالرحمن أن إتفاقا مسبقا مع وزارة الطاقـة قضي بأنه يوم 2 من كل شهر يجب أن يتم تحديد سعر جديد ومبررا أن الزيادة الأخيرة التي تمت جاءت نتيجة تراكم شهرين أو ثلاثة بحسب الإتفاق .. إنتهي .. بالله أنظر كيف يفكرون وهو يدلي بهذا التعليق الذي لم يتطرق للدوافع والأسباب الأساسيـة للزيادات علي أسعار المحروقات والتي في مراحلها المختلفة تميزت بالكثير من العيوب بل تسببت في معظم الأزمات الإقتصاديـة المعقدة والمتراكمــــة كما أدت بشكل مستمر إلي تضخم أسعار السلع والمستهلكات اليوميـــــة والضرورية للمواطن وإنكماش في الإنتاج بشكل تراجع معه الناتج المحلي الإجمالي للبلاد .. وإذا أمعلنا النظر إلي الوراء قليلا سنجد هناك زيادة تمت قبل هذه الزيادة و في فترة زمنية بسيطة جدا ولم ينتبه لها أي شخص بإعتبار أن الشعب السوداني أصبح لا يأبه ولا ينتبه للأشياء من شدة تراكم أزماته والضغوط عليه .. حيث كان لتر البنزين وقتهابقيمة( 320 ) جنيه وتعدل إلي (362) جنيه ولم ينتبه لها الاعلام ولم يتم تناولها علي وسائل الاعلام علي الإطلاق ولكن التعديل الأخير أثار ضجـة وإضطراب وتساؤلات لأن الزيادة مقدارها كبير وسعر لتر البنزين إقترب من حاجز الدولار أو أقل قليلا وهذه بالمناسبة أسعار عالية جدا بالنسبة لناس دخولها منخفضة جدا كحالنا في السودان وبالنسبة للاقتصاد السوداني المتدهور أصلا لان وضع إقتصادنا مختلف تماما عن إقتصاديات الدول الأخري من حيث معدل البطالة 40% ومستوي الفقر أكثر من 60% ومعدل التضخم مرتفع تجاوز الـ 800% وهذه الخطوة التي إتخذتها وزارة المالية واضح أن خلفها جهات فاعلة خفية سوف تؤدي إلي إرتفاع معدل التضخم بشكل جنوني وليس إنخفاضه كما جاء في موازنـــة العام 2022م الي 202% .. هذه كلها ليست دورة لإزدهار الإقتصاد السوداني وإنما تعني أن الحكومة أصبحت متماشيــة مع روشتــة صندوق النقد الدولي ورغم أن صندوق النقد الدولي لم يعير السودان إهتماما علي الإطلاق وهو يمر بكل هذه الأزمات الحالية ومع أن السودان نفذ برنامج الرقابــة الخاصة بالصندوق لعام كامل ونفذ نسبة قد لا تقل عن الـ 95% لكنه لم يحصد شئ من القروض والمنح التي كان يمكن ان يحصل عليها السودان من مؤسسات التمويل الدولية علي رأسها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والمجتمع الدولي بصورة عامة .. وإذا عدنا إلي قصة زيادة أسعار المحروقات الأخيرة فهناك أشياء مغتبسة منها يجب أن ينتبه لها الجميع وهي أثر زيادة أسعار المحروقات والكهرباء علي الإنتاج بالبلاد فهذاين الإثنين ( المحروقات والكهرباء) الزيادات عليهما تعتبر المدخل الرئيسي إلي تدمير القطاع الإنتاجي والسودان معروف بأنه بلد يعيش علي الإنتاج سوا كان إنتاج زراعي بشقيه النباتي والحيواني أو الإنتاج الصناعي متمثلا في الصناعات الإستخراجية والصناعات التحويلية أو قطاع الخدمات بصورة عامة .. إن زيادة أسعار المحروقات والكهرباء في وقت واحد ستؤدي إلي تعقيدات أكثر لمسألة الإقتصاد السوداني المأزوم وستكتم أنفاس الإنتاج والإستثمار وستعطل الحركة التجارية بشكل عام بالسودان .. حتي الآن هذه تعتبر إختراعات منظري الحلول السهلــة المتوفرة أمام الحكومة وكما هو مفهوم كثير من الحكومات تلجأ إلي نظرية رفع الدعم وغيره من الإكذوبات وهي في النهاية تريد تعديل أسعار المحروقات لتدر عليهم إيرادات لحظية سريعة .. ومثل هذا القرار إذا إتخذ صباحا حتما بعد عشرة دقائق سوف تتدفق الإيرادات علي الخزينة العامة مباشرة .. وهي خطوات وتفكير الحكومات العاجزة التي لا تريد ان تبحث عن الحلول الصعبة لأنها تحتاج الي دراسات وخطوات علمية ومنهجية وبرامج مخطط لها وليست عشوائية وهذه الحكومات ليست لديها طاقة صبر وإحتمال علي ذلك .. ومعلوم أن الإقتصاد هو علم البدائل والمفترض أن توضع كل الخيارات والبدائل ويتم البحث في أقل البدائل وأخفها ضررا في عملية الإصلاح الإقتصادي ولكن للأسف الشديد نحن ماضون علي خطوات التدهور الفعلي والحقيقي وحكومتنا ماضية في منهج إتباع سياسة إستسهال الحلول وليس الحلول الجذرية .. صحيح رفع سعر الكهرباء يأتي بإيرادات وقتية لكن لم تحتسب الآثار الكارثية السالبة لهذه القرارات وأثرها المباشر علي الإنتاج ولم تتحسب لتوقف عجلة الإنتاج أو الصعوبات التي يواجهها المواطن في الحصول علي السلع والخدمات خاصة عندما نقارن أسعار الوقود في بلادنا مع دول مثل بريطانيا والامارات إذ لا يمكن أن نقيس حالنا مع هذه الدول صاحبة الدخول المرتفعة وإذا لابد أن تقارن ونقيس فعلي متخذ القرار أن يعطي العاملين بالقطاعين العام والخاص رواتب تعادل مرتبات العاملين في تلك الدول وإذا فعلا أرادت حكومتنا ان تعادل هذه السلعــة بسعر الدولار العالمي .. وإذا نظرنا الي تعديلات مرتبات القطاع العام التي وردت في موازنة العام 2022م فهي ضعيفة جدا مقارنة بحج التحديات المعيشية الحالية حيث ان الحد الادني للاجور فيها يتراوح ما بين ( 3000 ـ 12000 ) ألف جنيه وهذه الزيادات لا تكفي المواصلات والترحيل للعامل حتي يصل إلي مقر عمله ناهيك ان تعالج له مشكلاته سيما ان زيادات اسعار المحروقات قد تسببت في زيادة تعرفة المواصلات ووسائل النقل عموما .. وإذا نظرنا للأسعار العالمية للمحروقات والتي ربما أرادت الحكومة مجاراتها فهي تزيد وتنقص والمستهلك يتحمل الزيادات ويستفيد من الإنخفاض إذا حدث إنخفاض في الأسعار العالمية ولكن هذه الدول سعر الصرف للعملات الأجنبية مقابل المحلية فيها مستقر والعامل المتغير الوحيد فيها هو الأسعار العالمية للبترول وصحيح أن السعر العالمي للبترول حاليا ماشي في تصاعد وقد تجاوز الـ 90 دولار بسبب الإضطراب في الشرق الأوسط ومشكلة أمريكا وإيران بسبب المفاعل النووي الإيراني وكذلك الأزمة الروسية الأوكرانية والعالم الآن بشكل عام مرتبك ولذلك يوجد إرتفاع في أسعار المحروقات وهذا الإرتفاع قد يكون وقتي فإذا تعالجت المشكلة العالمية وهذه القضايا قد تعود الأسعار إلي معدلها الطبيعي لكن السؤال : هل إذا عادت الأسعار العالمية إلي معدلها الطبيعي ستعود في بلادنا إلي المعدل الطبيعي والإنخفاض ..? أشك في ذلك .. صحيح قد يقول شخص أن الفترة الماضية حدث فيها إنخفاض لكنه حدث مرة واحدة وبسعر زهيد جدا وكأن الحكومة قصدت حينها أن تقول للناس أنا خفضت بهدف صناعة صورة ذهنية نوجبة ليس الا .. فهو بمعناها الحقيقي ليس تخفيض لانه كان مبلغ غير مؤثر كما هي حالة الزيادات الكبيرة الحالية الآن .. وفي العادة الحكومة المفروض تعتمد في الحلول علي المظلة الضريبية كمورد رئيسي وأن ترصد بآلياتها الرقابية أي رجل أعمال حقق أرباح طائلة ولم يدفع الضريبة أن تدخله ضمن المظلة الضريبية ومكافحة التهرب الضريبي وهذه تحتاج الي إرادة ومجهود وقناعة وهي الحلول الناجعة المفضلة علي الحلول السهلة المتبعة حاليا والتي نتائجها كارثية علي المواطن والبلد .. علي الحكومة أن ترفق بالمواطن ولا تجعله مصد وحقل تطبيق لكل عجز إقتصادي وفشل يواجهها إذا أرادت تطبيق نظام إقتصادي إنتاجي يتميز بالكفاءة والتفاعل مع مستجدات العصر العلمية والتكنولوجية والتواصلية مع متطلبات الأسواق ومع المبادرات الفردية التطويرية المبدعة .. السودان بلد يحتاج إلي سياسات إقتصادية مرنة وتوزيع عادل للثروات وبناء إقتصاد يتميز بالعدالة الإجتماعية والكفاية والكفالة .. وهذا ما نفتقره اليوم بشدة ..