“الراكوبة” ..زيادة جديدة في أسعار الصحف.. (الصحافة الورقية) هل بدأت الاتجاه للمصير المجهول؟
الخرطوم: الصحافة.نت
على غير ما هو متوقع طبق ناشرو الصحف الورقية اليوم الأربعاء، زيادة جديدة لسعر بيع النسخة الواحدة ليبلغ 230 جنيهًا بدلاً عن 180 بعد زيادة نُفذت قبل أشهر.
هذه الزيادة الغير متوقعة تعتبر الثانية على التوالي في العام ٢٠٢٢، ما جعل علامات الاستفهام تترا حول مستقبل الصحافة الورقية في ظل هذه الزيادة المتتالية، ومن قبلها الحضور الطاغي للصحافة الإلكترونية، وتأتي خطوة الزيادة وفق الناشرين إلى ارتفاع كبير في مدخلات إنتاج الصحف، من بينها ارتفاع سعر الدولار والورق.
“الراكوبة” استنطقت عدد من الناشرين والصحفيين والقراء خلال المساحة التالية:
ترك وجبريل هما السبب
لوم وغضب جعلا رئيس تحرير وناشر صحيفة السوداني الدولية محجوب عروة يصب جام غضبه على كل من وزير المالية جبريل إبراهيم، ورئيس مجلس البجا والعموديات المستقلة الناظر ترك، لانتهاج الأول سياسات خاطئة أدت إلى ارتفاع سعر الدولار، وتعنت الأخير في إغلاقه الشرق، الأمر الذي أضر بصادر البلاد وواردها بحد تعبيره.
وأكد عروة ل “الراكوبة” ان توالي الزيادة في أسعار بيع الصحف خلال هذا العام أمر كان لا مفر منه، وذلك نسبة للزيادة الكبيرة في أسعار الدولار.
وقال إن هناك زيادات كبيرة طرأت على مدخلات صناعة الصحف ما جعل زيادة السعر أمر حتمي، متوقعاً المزيد من الزيادات. وانتقد عروة دور وزراء الإعلام الذين ترأسوا المنصب في عهد الحكومة الانتقالية، وعدهم فاشلين لجهة عدم تقديمه اي مساعدات تسهيلية.
ونوه في الوقت نفسه إلى استمرار الصحف الورقية لكن بصورة متناقصة، وتابع : الصحف لن تتوقف لكنها سوف تتناقص، لأن هناك إعلان ذو خصوصية لا يجد حظه في القنوات والفضائيات او المواقع.
غير مبررة
وهنا يكمن اختلاف من نوع آخر، وصل حد الا رغام، فعلى الرغم من تشارك الهم وتقاسم المهنة، يختلف ناشر صحيفة الأهرام اليوم عبد الله دفع الله عن غيره من الناشري الاخرين، فهو الوحيد الذي يرى أنه ليس ثمة مبرر لهذه الزيادة التي عدها كبيرة وفق حديثه ل “الراكوبة”، وقال أن الزيادة التي فرضها الناشرين كبيرة وتعتبر مهددا للصحف، مؤكدا انه أرغم عليها في المرة الأولى عندما وجد صحيفته تباع بسعر ١٨٠ ج رغم انه لم يصادق على الزيادة.
وأتم: “الصحف تواجه مهددا، والان من خلال هذه الزيادة تم قتلها نهائياً”.
جراحة مؤلمة
(أمر لابد منه لمواجهة الضغوط التي تعيشها البلاد وتوفيق أوضاع الصحفيين).
وفق هذا المنظور أكد مدير تحرير صحيفة اليوم التالي ابوعبيدة عبد الله الزيادة الثانية لأسعار الصحف وعد الأمر جراحة مؤلمة للصحف وللقارئ معا، مؤكدا لـ”الراكوبة” أن القراء أحجموا عن شراء الصحف منذ وقت يقارب العام والاستعاضة عنها إلكترونيا، وقال إن الجهات التي تقوم بشراء الصحف حاليا تتمثل في المنظمات والسفارات والمؤسسات الحكومية، مشيرا إلى أن بعض المؤسسات الحكومية عجزت عن توفير نسخ محددة لمنسوبيها، وتابع : المعادلة صعبة، لكن لابد من أن تظل هذه الصحف مستمرة كما لابد من أن تقوم الحكومة بتقديم الدعم اللازم لها.
وأكمل: “الزيادة مبررة لكن مؤلمة ونتوقع خروج المزيد من الصحف”.
العذر موجود
(المحتوى الصحفي للصحيفة) علامة استفهام توقف عندها الصحفي والكاتب والمحلل السياسي شوقي عبد العظيم الذي شدد على ان البلاد تعاني من انهيار اقتصادي كبير، وأن الصحافة جزء من هذا الانهيار، مؤكدا في الوقت نفسه على أنه بالرغم من تأثير الزيادات على الصحف الا ان العذر موجود للناشرين.
وفي ذات المنحى يذهب شوقي في حديثه ل “الراكوبة” على أن المشكلة لا تكمن في زيادة أسعار الصحف وإنما في الخدمات والمحتوى الذي تقدمه الصحيفة، موضحا بأن القارىء إزاء زيادة السعر يكون بحاجة إلى محتوى جيد.
وأضاف “انا لا أعتقد أنه في ظل البطش والكبت على الحريات خاصة عقب انقلاب 25 أكتوبر أن تستطيع الصحف تقديم خدمة جيدة”.
وتابع: “الإنتاج لم يزل ضعيف ومتاثرا بالوضع السياسي في ظل معلومات شحيحة. إزاء ذلك يرى شوقي أن الصحافة الإلكترونية لم تستطيع جذب الإعلان مثل ما تفعل الصحف الورقية، وهو ما يجعل الصحف تستمر ولو بنسبة ضعيفة”.
أخف الضرر
( أخف الضرر)، من هذا المنطلق يلتمس مدير تحرير صحيفة المجهر السياسي نجل الدين آدم، الزيادة المتتالية للأسعار الصحف.
كما أكد لـ “الراكوبة” على أن الزيادة تعتبر وضع طبيعي في ظل تصاعد سعر الصرف مقابل العملة المحلية، سيما أن منتوج الورق يتم استيراده بالعملة الأجنبية.
وقال نحل الدين، إنّ أمام الناشرين خياران لا ثالث لهما، إما الزيادة لتقديم الخدمة الصحفية للمواطن او التوقف، و بما ان الزيادة تأتي في إطار الحفاظ على المنتوج فإن هذا يعتبر اخف الضرر.
وأضاف: “لا أعتقد ان الزيادة تأتي في إطار التشجع أو المغالاة وإنما في إطار الحفاظ على المنتوج، لأن الصحافة تواجه خطر العولمة وحتى تصمد فإنها بحاجة الزيادة”.
ومضى للقول أن الصحف الآن استغنت عن أعداد كبيرة من الصحفيين، بعد أن أصبحت طاردة، لكن المعادلة صعبة وتتطلب وزنة في الاستقرار السياسي الذي يقود بدوره إلى الاستقرار الإقتصادي.
أمر كارثي
(في ظل الراهن وارتباك المشهد الاقتصادي الذي نعيشه الآن والذي يرمي بظلاله على كل أوجه الحياة فمن الطبيعي جدا ان ترتفع اسعار “الصحف الورقية” … فهي ليس بمعزل عن بقية اوجه الحياة الأخرى).
هكذا ابتدرت رئيس القسم الاقتصادي بصحيفة المجهر السياسي رقية ابوشوك، وأكدت أن الانهيار الاقتصادي وارتفاع أسعار العملات مقابل الجنيه السوداني انعكس بصورة أو بأخرى على تكلفة طباعة الصحف خاصة “إذا علمنا ان مدخلات انتاج الصحف من ورق واحبار وقطع غيار ماكينات الطباعة يتم استيرادها من الخارج وهو اي الاستيراد مرتبط بأسعار الدولار الذي قفز بوتيرة متسارعة”.
وأكد رقية في حديثها لـ “الراكوبة” أن زيادة أسعار الصحف للمرة الثانية على التوالي خلال العام الجاري ٢٠٢٢م الذي لم يتخطى ربعه الأول بعد، هو أمر يؤكد أن الزيادة لن تكون الثانية كما أنها لن تكون الاخيرة وربما ستأتي زيادات أخرى خلال العام الجاري – وفق قولها.
بالمقابل ترى ان ارتفاع تعرفة الكهرباء وزيادة اسعار المحروقات ستنعكس أيضاً على إنتاج وطباعة الصحف، لجهة أن الماكينات التي تقوم بطباعة الصحف بحاجة للكهرباء والوقود، الأمر الذي اعتبرته كارثيا، أن لم يتم تدارك الأمر.
وذكرت أنه “يجب تدارك الوضع حتى إذا دعا الأمر إلى ان يتم دعم مدخلات إنتاج الصحف وإن كنت لا أظن أن يحدث ذلك طالما أنه تم رفع الدعم عن سلع اساسية وحياتية كالخبز والدقيق بالإضافة إلى رفع الدعم عن الكهرباء والمحروقات”.
وتابعت: الصحف مازالت تقدم خدمة لكل اجهزة الدولة بالرغم من أنها تتبع للقطاع الخاص، في اخبار الدولة في أولوياتها وهي بالتالي تقدم خدمة بطريقة مباشرة.
حالة موات
(حالة موات) هكذا وصف أحد قراء الصحف محمد خالد، الحالة التي تمر بها الصحافة الورقية جراء الأوضاع الاقتصادية التي تشهدها البلاد.
في وقت أكد لـ”الراكوبة” إن الزيادة اي كان شكلها فإنها لن تؤثر على التوزيع المتردي من الأساس وذلك بسبب التوجه العالمي نحو الصحافة الإلكترونية.
وأوضح في ذات الشأن إلى أن الصحافة السودانية تعتبر صحافة رأي وليس خبر، ومن هذا المنظور لا يستقيم أن يقوم المواطن بشراء صحفية حتى يطلع على اخبار (بايتة).
وقال “إن المسألة مسألة وقت وسوف تتساقط جميع الصحف إلا من عدد قليل جداً”.
مفاضلة
في مقابل ذلك، تأسف التاجر الشاذلي عبد الغني، على الأوضاع التي آلت إليها الصحافة الورقية في السودان.
وأوضح أن الزيادة الجديدة تضع القراء أمام خيار المفاضلة بين شراء مستلزماتهم الضرورية من خبز وخضروات وحليب وغيرها من مستلزمات وبين شراء صحيفة تصل لسعر 300 جنيه يمكن الاستغناء عنها.
وأضاف: الآن الفضاء الاسفيري أصبح متاح للجميع حيث أن جميع الأخبار متاحة والتقارير وأعمدة الرأي ما يجعل الاستغناء عن الصحف أمر ممكن.