حاج ماجد سوار يكتب / في ذكرى الرحيل الخامسة .. ( الشيخ الترابي )
منذ أن تولى قيادة الحركة الإسلامية في مؤتمرها العام سنة 1964 ، إستطاع الشيخ أن يقفز بالحركة قفزات هائلة فكرياً و سياسياً و تنظيمياً و ذلك بفضل ما يتمتع به من قدرات معرفية و قيادية صقلتها دراسة القانون و الدراسات العليا في فرنسا ( السوربون ) .
ربما لا يختلف معظم الناس حول منتوجه الفكري الذي يعتبر إضافة للفكر الإسلامي العالمي المتنوع الذي تغذيه مدارس فكرية متعددة منها المتشدد و السلفي و منها الوسطي و منها ما هو أقرب إلى تصورات و آراء الفكر العلماني .
الشيخ رفد المكتبة الإسلامية بعدد مقدر من الكتب و المؤلفات و المنشورات من أبرزها :
– تجديد الفكر الإسلامي – تجديد أصول الفقه – في الفقه السياسي مقاربات في تأصيل الفكر السياسي الإسلامي – المرأة بين الأصول و التقاليد – الدين و الفن – مقاصد الشريعة – الشورى و الديمقراطية – السياسة و الحكم : النظم السلطانية بين الأصول و سنن الواقع – المصطلحات السياسية في الإسلام – التفسير التوحيدي .
و في مجال التوثيق لتجربة الحركة الإسلامية كتب أهم مرجع لأتباعها و للدارسين :
( الحركة الإسلامية المنهج و الكسب و التطور ) ، و في العام 2012 أصدر مراجعاته الشهيرة ( عبرة المسير لإثنتي عشر من السنين ) التي انتقد فيها تجربة الحركة في الحكم .
إستطاع الشيخ أن يبني حركة إسلامية حديثة ، متأثرة بواقعها السوداني ، حركة تتنوع فيها المدارس الفكرية بعيداً عن المحضن التقليدي للحركات الإسلامية ( حركة الإخوان المسلمون ) .
و نجح كذلك منذ وقت مبكر في بناء الإئتلافات بين الحركة و آخرين لخوض غمار العمل السياسي ( جبهة الميثاق الإسلامي ) في فترة الديمقراطية الثانية 1965 بعد ثورة أكتوبر 1964 .
و تحالف مع معارضة نظام مايو بقيادة الإمام الهادي رحمه الله في الجزيرة أبا 1970 – 1972 و تطور هذا التحالف لاحقاً إلى عمل جبهوي مسلح ( الجبهة الوطنية ) التي ضمت حزب الأمة و الحزب الإتحادي الديمقراطي و الحركة الإسلامية عام 1974- 1976 .
ثم كرر التجربة في 1985 بعد إنتفاضة أبريل التي أطاحت بنظام النميري و أسست ( الديمقراطية الثالثة ) بعمل جبهوي واسع و عريض ( الجبهة الإسلامية القومية ) و التي استطاعت أن تنافس الأحزاب التقليدية محرزة 51 مقعداً في إنتخابات 1986 .
إجتهادات الشيخ و الحركة الإسلامية السياسية و التنظيمية كانت دوماً هي محل النظر و النقد و الإختلاف حتى داخل الحركة نفسها مما أدى لإنشقاقها بعد قرار المصالحة الوطنية مع نميري عام 1977 ليخرج منها فصيل بقيادة الشيخ صادق عبد الله عبد الماجد و يسمي نفسه ( الإخوان المسلمون ) ، ثم خرج بعض أفرادها عندما قررت الإنقلاب على الديمقراطية في يونيو 1989 لكنهم لم يؤسسوا كياناً خاصاً بهم .
و في العام 2000 إنشق حزبها ( المؤتمر الوطني ) مرة أخرى بعد الإختلاف حول كيفية إدارة الحزب و الدولة ، فأسس الشيخ ( المؤتمر الشعبي ) و بعد ذلك تناسلت من التيار الرئيسي عدة تيارات أخرى ( الإصلاح الآن بقيادة الدكتور غازي صلاح الدين – العدالة الأصل – العدالة القومي – منبر السلام العادل ، و البعض من منسوبيها يمم وجهه شطر المعارضة المسلحة ( العدل و المساواة ) و مجموعات أخرى مقدرة آثرت البقاء في الرصيف ) .
مرة اخرى عاد الشيخ للعمل الجبهوي بالتنسيق مع قوى المعارضة ( نداء السودان و قوى الحرية و التغيير ) لإسقاط الإنقاذ .
و لكن المؤتمر الشعبي بقيادته شارك بفعالية في ( الحوار الوطني ) الذي جرى في 2016 ، ثم لاحقاً شارك في حكومة الوحدة الوطنية التي نتجت عن ذلك الحوار و حتى سقوطها في أبريل 2019 . و حتى لحظة وفاته كان الشيخ يخطط لنقلة أخرى في تاريخ الحركة ( المنظومة الخالفة ) إلى أن عاجلته المنية في مارس 2016 .
الإجتهادات السياسية للشيخ و للحركة هي التي تستوجب النقد و المراجعة من الجميع و خاصة منتسبيها أما إجتهاداته الفكرية فيجب ألا تخضع للهتر السياسي ، فالفكر يجب أن يجابه بالفكر ، و للشيخ و تلامذته سجال طويل في الدفاع عن آرائه و فكره الذي يجد الفهم و الإعتراف و التقدير خارج الحدود أكثر من الداخل .
اللهم اغفر له و ارحمه و ارض عنه و ارفع درجته و ارزقه أعالي الجنان مع النبيين و الصديقين و الشهداء و حسن أولئك رفيقاً .
( لقد ترك الشيخ أثراً باقياً ، و إرثاً ثراً ، إتفقت أو اختلفت معه ) .
سوار
6 مارس 2021