(تأملات) .. جمال عنقرة .. السودان ..المؤامرة الدولية، وغياب الرؤية الوطنية “٣”
ذكرت في مقال الأمس أن المتظاهرين في ديسمبر ٢٠١٨م الذين احتموا بالقيادة العامة للقوات المسلحة، وهتفوا أمامها “شعب واحد جيش واحد” وبعد أن استجاب القادة العسكريون لندائهم، واسقطوا حكومة الإنقاذ، اوحي لهم المحركون الدوليون، والمسيطرون الداخليون بشعار غريب، راج فجأة في الأسافير وراج رواجا غير طبيعي، وصار علي كل لسان، حتى طريقة كتابته انتشرت هكذا “مدنياووووو” هذا الشعار صمم بعناية فائقة، وواضح أنه كان معد سلفا ضمن مراحل الاستيلاء والسيطرة، ومنه تحولت المعركة، من معركة ضد الإنقاذ اقوي اسلحتها العسكر، شعارها “شعب واحد جيش واحد” إلى معركة ضد الجيش، شعارها “مدنياووو”
الغريب في الأمر أن الجيش السوداني لم يفكر أصلا في الحكم، لا أولا، ولا أخيرا، بل أعلن زهدا واضحا في ذلك، وكان رأيه تشكيل حكومة انتقالية من كفاءات قومية غير حزبية لفترة محددة، لا تقل عن عام واحد، ولا تزيد عن عامين، وهذا ما كان يرفضه المتحكمون الإقليميون والدوليون، وحلفاؤهم، أو بالأصح اياديهم الداخلية، وكان رأيهم الأول أن تستمر الفترة الإنتقالية عشر سنوات، تحكم فيها حكومة موالية لهم، ولهذا فضلا عن إضعاف دور العسكريين في مفاوضات الوثيقة الدستورية، وابعاد مصر الدولة ذات الرؤية الواضحة والمصالح المشتركة مع السودان، اضعفوا كذلك دور القوي الحزبية الوطنية، لا سيما الحزبين التاريخيين، الأمة والإتحادي، فبينما حاصروا السيد الإمام الراحل السيد الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي، وقيادات المواجهة من حزبه، وقدموا أسماء سيطروا علي بعضها، واستخدموا بعضها لفترة محدودة، وأغراض محددة، اختاروا من الاتحاديين مجموعات لا وزن لها ولا تاريخ، وصار هؤلاء، مع اؤلئك المصنوعين بعناية هم الذين يتحكمون في مصير الفترة الإنتقالية.
الوثيقة الدستورية الأولى نصت علي أن يكون المشاركون في الحكومية كفاءات غير حزبية، يقودها رئيس وزراء أيضا غير مصنف حزبيا، وكان الدكتور عبد الله حمدوك قد أعد مسبقا لهذا الهدف، وهو رأس الرمح في هذه العملية، فاختار بعض الوزراء الذين يحققون هذه الأهداف الدولية بعناية، واستكملت مركزية قوي إعلان الحرية والتغيير الآخرين ممن يحققون أهداف القوي المسيطرة عليها، هذا الوضع جعل كثير من القوي ذات الوزن في مجموعة الحرية والتغيير المسيطرة تشعر بعدم العدالة، بعدما رأت أحزاب بعينها تسيطر علي كل شئ، لذلك استغلت هذه الأحزاب الغاضبة، والرافضة لسيطرة بعض قوي الإعلان، استغلت مفاوضات سلام جوبا، وأدخلت ضمن التعديلات علي الوثيقة الدستورية، نصا يجيز المشاركة الحزبية في الأجهزة الحكومية.
المحاصصات الحزبية التى أجازها سلام جوبا، زادت الطين بلة، واشعلت الصراع بين مكونات قوي الإعلان المسيطرة أكثر مما كان مشتعلا، فظهر من البداية عدم العدالة في توزيع الأنصبة، كما تأكد وجود قوي خارجية إقليمية ودولية مسيطرة، ولنأخذ تجربة حزب الأمة القومي مثالا لذلك، فكان من نصيب حزب الأمة وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، فقدم حزب الأمة ثلاثة مرشحين لم يكن من بينهم الوزير السابق السيد نصر الدين مفرح، ففرضوا علي الحزب عبر قياداته المتماهين مع المجموعة الدولية، فرضوا عليه تقديم السيد مفرح مرشحا رابعا، ففعل، فاختاروه وزيرا رغم أنه جاء في الملحق، ورغم أن من بين المرشحين الثلاثة الآخرين عالم جليل، ومجاهد، وهو فضلا عن تمثيله لحزب الأمة خير تمثيل، هو رجل مقبول لأهل السودان جميعا، إنه الأمين العام لكيان الأنصار الدكتور عبد المحمود أبو، أما في شأن الولاة الستة الذين قدموهم باسم حزب الأمة لم يستشيروا قيادة الحزب الفعلية فيهم، ولعل الناس يذكرون أن الحزب كان قد عقد مؤتمرا صحفيا، أعلن فيه ذلك، وطلب من الولاة الإنسحاب من الحكومة، لكنهم بالطبع لم يفعلوا، ولم ينسحبوا، ولم يجد الحزب خيارا غير تمرير ذلك والسكوت عليه، لا سيما أن بعض قياداته الذين يمثلونه سياسيا وتنفيذيا صاروا أقرب إلى المجموعة الدولية وجماعتها في الداخل، أكثر من قربهم لقيادات حزبهم وجماهيره، وانفرط العقد تماما بعد وفاة الإمام الراحل المقيم له الرحمة والمغفرة.
نواصل بإذن الله تعالي