التكامل الاقتصادي العربي ضرورة حتمية د/ عادل عبد العزيز الفكي
adilalfaki@hotmail.com
كان التكامل الاقتصادي العربي حلماً يراود الآباء المؤسسين لجامعة الدول العربية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، فقد تأسس مجلس الوحدة الاقتصادية العربية في يونيو 1957، وكان هدفه تحقيق وحدة اقتصادية كاملة تضمن للدول العربية ولرعاياها على قدم المساواة: حرية انتقال الأشخاص ورؤوس الأموال، حرية تبادل البضائع والمنتجات الوطنية والأجنبية، حرية الإقامة والعمل والاستخدام وممارسة النشاط الاقتصادي، حرية النقل والترانزيت واستعمال النقل والموانئ والمطارات المدنية، حقوق التملك والوصية والإرث.
وللوصول إلى تحقيق ذلك اتفقت البلدان العربية على جعل بلادها منطقة جمركية واحدة، تخضع لإدارة موحدة، وتوحيد للتعرفة والتشريع والأنظمة الجمركية المطبقة في كل منها، وتوحيد سياسة الاستيراد والتصدير والأنظمة المتعلقة بها، وتوحيد أنظمة النقل والترانزيت، وعقد الاتفاقات التجارية واتفاقات المدفوعات مع البلدان الأخرى بصورة مشتركة، وتنسيق السياسات المتعلقة بالزراعة والصناعة الداخلية، وتوحيد التشريع الاقتصادي بشكل يكفل لمن يعمل من رعايا البلاد المتعاقدة في الزراعة والصناعة والمهن شروطاً متكافئة.
كما اتفقت الدول العربية على تنسيق تشريع العمل والضمان الاجتماعي، وتنسيق تشريع الضرائب والرسوم الحكومية والبلدية وسائر الضرائب والرسوم الأخرى المتعلقة بالزراعة والصناعة والتجارة والعقارات، وتوظيف رؤوس الأموال بما يكفل مبدأ تكافؤ الفرص، وتلافي ازدواج الضرائب والرسوم على المكلفين من رعايا الدول المتعاقدة، وتنسيق السياسات النقدية والمالية والأنظمة المتعلقة بها في بلدان الأطراف المتعاقدة تمهيداً لتوحيد النقد بها، وتوحيد أساليب التصنيف والتبويب الإحصائية.
على الرغم من هذا التأسيس النظري المحكم فشلت الدول العربية في السير بهذا المخطط الى نهاياته المؤدية للوحدة الشاملة، واقتصرت أهم الإنجازات حتى الآن على منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، التي كان يفترض أن تدخل حيز التنفيذ الشامل في يناير 2005 لكنها ما زالت متعثرة.
على عكس الدول العربية نجد أن الدول الأوروبية التي بدأت التعاون فيما بينها بتشكيل الجماعة الأوروبية للحديد والصلب عام 1951 والتي تحولت للسوق الأوروبية المشتركة في يناير 1985 قد تطورت بسرعة لما يسمى بالاتحاد الأوروبي وفق اتفاقية ماستريخت في العام 1991، وبهذا تطور الاتحاد الأوروبي من جسم تبادل تجاري إلى شراكة اقتصادية وسياسية مع توحيد العملة والسياسة الخارجية.
التطورات الدولية الراهنة والمتمثلة في الحرب الروسية الأوكرانية، وبداية تشكل نظام عالمي جديد ربما تلعب فيه الصين دوراً أساسياً في تحالف وتنسيق مع روسيا والهند والبرازيل وجنوب افريقيا بعيداً عن الهيمنة الأمريكية، سوف تجعل من أمر التكامل الاقتصادي العربي ضرورة حتمية في المرحلة المقبلة.
سوف يكون تحقيق الأمن الغذائي للدول العربية من خلال مشروعات مشتركة وباستغلال الموارد الزراعية المتوفرة في دول عربية أخرى هو المحور الأساسي للتكامل والوحدة الاقتصادية العربية.
السودان وبموارده الطبيعية الضخمة من أراضي واسعة قابلة للزراعة تبلغ 200 مليون فدان تعادل 84 مليون هكتار، ومراعي طبيعية تتجاوز مساحتها 280 مليون فدان، وغابات منتجة للأخشاب والصمغ العربي ومنتجات أخرى بمساحة 150 مليون فدان، ومياه متوفرة من الأنهار الجارية والأمطار والمياه الجوفية، يعتبر ركناً أساسياً في تحقيق الأمن الغذائي العربي.
مطلوب من الدول العربية ذات الفوائض المالية توجيه رؤوس أموال مقدرة لاستثمار الموارد الطبيعية المتوفرة في السودان. والله الموفق.