مصطفى ابوالعزائم يكتب في (بُعْدٌ .. و .. مسَافَة) .. ما بين (النعام) و (النميري) ..
لم أعرف أن أستاذنا الكاتب والشاعر والدبلوماسي الكبير سيد أحمد الحردلو رحمه الله ، كان من المغرمين بغناء كروان الطمبور الراحل الأستاذ النعام آدم ، إلّا عن طريق الصدفة المحضة ، في جلسة نادرة إجتمعنا خلالها وصديقنا الشّاعر المُبْدِع والإداري العَلَم الأستاذ كامل عبد الماجد ، وقد دار الحديث بيننا في ذلك اللقاء حول الفنان الراحل عبد العزيز العميري ، وهو صديق عزيز وأثير ، عندما سألني الأستاذ الحردلو عن شعراء بعض أغنياته ، ثم دارت دورة الحديث لتصل إلى مقام طيب الذّكر ، الذي أعتبره أحد عباقرة الأغنية السودانية الأستاذ النعام آدم ، عليه رحمة الله.
وكان أستاذنا الراحل الحردلو يحسن بي الظن كثيراً ، وطلب إليّ أن أبحث له عن شريط غنائي للفنان النعام ، فقلت له إن طلبه قد أستجيب ، لأن الشريط لديّ وأن إحتفائي الخاص ب (ملك الطمبور) يجعلني أحتفظ له بأكثر من تسجيل ، رغم أن الكثيرين حاولوا أن يتغنّوا بغنائه ، إلّا إن صوت وأداء وملكات وكلمات النعام آدم ، تظل تؤكّد على الدوام إن (الغُنا سمح في خشم سيدو).
ومن محبي النعام آدم صديقنا الإعلامي والإذاعي الضخم ، وأستاذ الإعلام الكبير أحمد العوض الحسن ، وهو باحث لا تفتر له همة في مجال أغنية الطمبور عموماً ، وأغنيات الشايقية على وجه الخصوص ، لذلك تجده أفضل من يكتب أو يتحدّث عن النعام آدم ، أو عن الأستاذ المبدع عبد الرحمن بلاص رحمهما الله ، وله مع هذا وذاك قصص وحكايات وطرائف ، منها ما رواه لي أستاذنا أحمد العوض واستزدت منه إستيثاقاً قبل لقائنا ذاك بأيام ، وأعيد روايته اليوم ونحن على أعتاب ذكرى الخامس والعشرين من مايو 1969 م ذكرى الإنقلاب الذي جاء بالرئيس نميري إلى السلطة ، رحمه الله ، وذلك عندما جاء الفنّان النّعام للأستاذ أحمد العوض ، الذي كان وقتها مديراً للإدارة الثقافية بالإذاعة ، وهو يحمل نصاً لشاعر كبير – أحتفظ بإسمه – عقب فشل المحاولة الإنقلابية التي قادها المرحوم هاشم العطا ورفاقه ، ضد الرئيس نميري في (19) يوليو 1971م – رحمهم الله جميعاً – وعرض النعام ذلك النص على صديقه أحمد العوض ، الذي أخذه جانباً وهمس في إذنه قائلاً: ( يا النّعام إنتَ غُنَا البنات كِمِل عشان تغني للرُجَال ..؟).
لقد كان النص الشعري تمجيداً للرئيس نميري ، ولعودته بعد دحر الإنقلاب .. وزاد أحمد العوض : ( يا النّعام شوف هسّي النّاس الغنّوا لي هاشم العطا والإنقلاب ، وينهم .. مش في السّجن؟.. يا النّعام يا أخوي بكرة الأنظمة بتتغير ويجي غيرها ، لكن غُناك حيكون محفوظ).
هنا وقف الفنان الراحل النعام آدم ، وقال: ( قُت كدي ياود العوض؟… حرَّم غير الغُنا للبنات ما عندي شيتاً أديهو للناس).. وقد كان..
النعام آدم ظاهرة فنية لن تتكرر ، قد يتم إستنساخها ، لكن الأصل يبقى أصلاً ، والصورة تبقى تقليداً ، وقد بدأ حياته الفنية في أوائل الخمسينات.. ربما عام 1950م وكان يجئ للعاصمة لتسجيل بعض أغنياته لتبث من خلال برنامج (ربوع السودان) ، وذلك قبل أن يستقر في الخرطوم ، وهو مولود في قرية (الكربة) قريباً من (منصوركتي) بالولاية الشمالية ، غنى من أشعاره ومن أشعار شعراء كبار أمثال الراحل حسن الدابي ، وجيب الله كدكي ، وإبراهيم ابنعوف ، والسر عثمان الطيب ، وإن كانت أغنيات صديقنا الشاعر الكبير محمد سعيد دفع الله ، قد حققت له نقلة نوعية في الكلمات والأداء ، كان يحتاجها وقتذاك لتزيد من قاعدة معجبيه ومستمعيه.
أغنيات النعام كلها جميلة وبسيطة وعميقة ، لأنه أحد عباقرة الغناء كما أسلفت ، والمغني الجيد هو الذي يعبِّر عن أكبر قطاع أو شريحة من الناس ، وتظل أغنياته خالدة وعلامة في مسيرة الغناء السوداني ، لأن الجميع أو الأكثرية – على وجه الدقة – يطرب وتطرب لأغنيات مثل (ياحبيبي علي حن) ، و(سمح الخصائل) ، و(الزول الوسيم) و(فاوضني بلا زعل) ، و(كلمني بقيت قيام) ، و(قالوا المنقة منقولة) و(طار جنا الوزين).. وتظل أغنية (دمع الدم) التي كتبها ولحنها الراحل حسن الدابي من أجمل الأغنيات التي تغني بها النعام آدم ، وإحتفظت بها المكتبة الغنائية السودانية.. خاصة في المقطع البديع .
رحم الله شاعرنا الحردلو والمغني الذي يعبّر عمّا يجيش في خواطر الناس ، النعام آدم ، وأمد الله في عمري كامل عبدالماجد ، وأحمد العوض الحسن ، وبارك لهما في حياتهما وتقبل منهما كل عمل نفعا به الناس .
Email : sagraljidyan@gmail.com