أبيي .. المؤامرة الكبرى والعشوائية المتكررة بقلم : فاطمة لقاوة
بات معلوم للجميع إن قضية أبيي وما دار في محكمة لاهاي ما هي إلا صفقة سياسية رخيصة جرت ما بين حكومة المؤتمر الوطني المركزية سابقا وحكومة الحركة الشعبية في جوبا برعاية دولية لها مصالح إستراتيجية في المنطقة ،لم يراعوا فيها الحقوق التاريخية لشعب المسيرية.
سقطت الإنقاذ إلا أن السياسة التهميشية من قِبل المركز ! إتجاه إنسان غرب كردفان عامة وشعب المسيرية في أبيي بصفة خاصة ما زالت مستمرة بذات الوتيرة وأكثر.،وإن شعوب منطقة أبيي يعيشوا الآن في أوضاع إنسانية معقدة،وظلم وإستهداف ممنهج يرتقي لمستوى الجرائم ضد الإنسانية ،فلا خدمات أساسية تسد رمقهم ولا أمن ولا أمان.
بالأمس ساقني الفضول لحضور المؤتمر التنوير لوفد المسيرية العائد من ميناء “عنتبي” اليوغندي ، والذي قدمت الدعوة فيه مفتوحة عبر الوسائط ،وقد كنت متابعة لكل تفاصيل اللقاء بين وفد المسيرية ووفد دينكا نقوك عبر الوساطة الأممية ( قيادة قوات اليونسفا) ،و في ذهني كل مآسي لاهاي حضور ،وتيقنت تماما بأن التاريخ يعيد نفسه وقيادات شعب المسيرية تقع في ذات الأخطاء المتجددة لماذا؟!.
ذهبت إلى المقر المحدد للقاء التنويري في زمن مبكر جداً ظناً بأن المؤتمر سيبدأ في موعده وأستطع الإستماع والمناقشة ،ولكن تفاجأت بخلوا القاعة من أي حضور إعلامي رسمي -(لا تلفزيون ولا قنوات فضائية ولا صَحف و…..الخ)،وقد بدأ التنوير في زمن متأخر جدا .
إبتدر النقاش ،أحد أعضاء الوفد وعرف نفسه ب( حمدي الدود إسماعيل)،وتحدث بصورة عاطفية إنشائية عن خارطة طريق أبيي،معرفا مسطلح البوكس ،ناسيا أومتناسياً بأن أبيي المقصودة في النقاش هي (أبيي المدينة)المُحرمة الآن على الجميع الا قوات اليونسفا والجيش الشعبي في دولة جنوب السودان ومن يأتي تحت رحمتهم !!بل إن منطقة سوق الزراف “أميت”ممنوعة على أي وفد او فرد من حكومة السودان .
ثم أعقبه في الحديث الشاب أمبدي يحي كباشي ،الذي كٌنا نعتقد أنه محاور لبق ومفاوض يعرف ماذا يريد وكيف يصل إلى ما يريد ولكنه قد خيب ظننا كثيرا عندما إستمعنا إلى تنويره بالأمس وهو يتحدث بذات الإسلوب الذي كانت تتحدث به قيادات المؤتمر الوطني المدجنة من قبل المركز ،والتي كانت مطية لقرارات لاهاي المجحفة بحق شعب المسيرية كما وصفها المحامي عون الخصاونة،،فهل سيعيد التاريخ نفسه ؟ولماذا؟.
أعقبهم المتحدث الأخير وقائد الوفد المفاوض :الناظر الصادق الحريكة عزالدين(ناظر عموم المسيرية الزرق)شارحا بإستفاضة مجريات الحوار الذي بدأ في عنتبي في الفترة ما بين ١٧إلى ١٩ مايو ٢٠٢٢ بين وفد المسيرية ووفد دينكا نقوك برعاية أممية متمثلة في قيادة قوات اليونسفا.
ذكر الناظر الصادق في حديثة بأن وفد دينكا نقوك جاء يحمل فقرتين فقط مطالب بالإستجابة لها ،هما:
1}وقف العدائيات .
2}تشكيل لجان سلام بين الطرفين.
بينما وفد المسيرية قد وضع شروط ثلاثة ،طالب بتحقيقها قبل بدء الحوار تتمثل في الآتي:
1》تشكيل وتكوين المؤسسات المشتركة في أبيي.
2》سحب قوات دفاع شعب جنوب السودان -“عددها ٢لواء من دولة جنوب السودان متواجدة في داخل أبيي المدينة على مرأى ومسمع المجتمع الدولي وحكومة الخرطوم”-خارج أبيي المدينة.
3》إعطاء المسيرية حرية الحركة في أبيي.
السؤال الذي يطرح نفسه :هل حكومة السودان الآن التي يرأسها الفريق أول البرهان باتت منزوعة السيادة الوطنية في أبيي؟!ليذهب وفد شعبي أهلي من المسيرية يطلب من الأمم المتحدة هذة المطالب ؟!،ولماذا الفريق أول برهان قدم ثناءه في السابق للقرارات التي أصدرها سلفاكير ،والمتعلقة بتشكيل حكومة جنوب السودان والتي أعلن فيها سلفاكير منطقة أبيي إدارية تتبع لحكومته وعاصمتها الإسمية (اقوك)بينما قوات جنوب السودان تتخذ أبيي المدينة عاصنة فعلية وتصع فيها معسكر متقدم اطلقت عليه (قوة جيش دفاع جنوب السودان)،،بينما أبيي وفق النصوص ما زالت تتبع للسودان وفق حدود ١/١/١٩٥٦،لحين إجراء إستفتاء وفق قرار لاهاي؟ولماذا البرهان لم يعلن من جانبه قرار تحويل مؤسسات الإشرافية والإدارية وصندوق ال ٢%لمنطقة أبيي،وترك القرار لرئيس الإشرافية فقط؟!وإلى متى يظل إنسان أبيي يعيش وسط الفقر والبؤس والجهل والمرض بسبب مخلفات البترول والإهمال ممنهج ؟فمن لم يمت بنيران جيوش دولة جنوب السودان وقوات اليونسفا ،حتما سيموت بمخلفات البترول !!!.
تابعت عن قرب وفحصت أسماء ومؤهلات الوفدين -(وفد دينكا نقوك ووفد المسيرية)-وإطلعت على الوثيقة التي وقع عليها الطرفين بإشراف أممي متمثل في قيادة اليونسفا !رغم أن ما جاء في فقرات الوثيقة يُعد حديثاً إنشائيا إلا أن الأتفاق قد عزز نقاط دينكا نقوك التي طُرحت المتمثلة في (وقف العدائيات وتكوين لجان سلام من الطرفين)بينما صُرب بشروط وفد المسيرية أرض الحائط،وهذا دلالة على أن جوبا تتعاطى مع ملف أبيي بمنهجية ورؤى مدروسة بينما الخرطوم تتعامل بعشوائية وتسويف وعدم مصداقية وتعتيم
كامل ،وما اجهزة أبيي الثلاثية إلا باب من أبواب المأكلة وملهاة الصراع المستمرة التي خلقها المركز ،بهدف صرف شعب المسيرية عن ما يُحاك ضد أرضهم وعرضهم .
وفد عنتبي ما هو إلا إمتداد للمؤامرة الكبرى التي تطبخ بعناية فائقة ضد الرعاة في الحزام الممتد من كردفان إلى دارفور ،والعشوائية المتكررة التي ما زالت مصاحبة لكافة الوفود الأهلية المدجنة من قبل المركز. دليل قاطع على أن المركز يتلاعب بمصير شعب كامل وبجب مناهضة ذلك من قبل شرفاء الرأي ،،ولحين تنعدل الأوضاع ما زلنا نسأل :هل أبيي قضية سودانية ؟ولماذا لم يتعاطى المركز معها كما تعاطى مع قضية الفشقة مثالا؟وإلى متى يظل قيادات المسيرية ،يسعون إلى تقديم رعاة المسيرية غربانا فداءا لسياسات المركز؟وهل من طريق ثالث يمكن أن يحفظ لأهل أبيي الغلابة حقوقهم وبخفف وتيرة الصراعات المفتعلة؟
❗ أبيي!المؤامرة الكبرى والعشوائية المتكررة