جمال عنقرة يكتب في (تأملات) .. البرهان .. سيبك منهم كلهم
لم يكن حظ وقفة الأول من يونيو التي اخرجتها قوي الإجماع الوطني، لطرد المبعوث الأممي فولكر بيرتس، بأفضل من حظ مسيرة السادس من أبريل التي سيرتها قوي قحت، ولجان المقاومة لطرد العسكريين من الحكم، فكلا المسيرتين كان حظهما من التعاطف الشعبي صفرا كبيرا، رغم أن الذين خرجوا لطرد فولكر كانوا أكثر عددا، وأفضل إعدادا، لكنهم لم يبلغوا الدرجة التي تجعلهم يدعون أنهم يمثلون نبض الشارع السوداني، ولقد تأكد تماما أن الشعب السوداني لا مع هؤلاء، ولا مع أولئك، وليست هذه هي المشكلة الكبيرة، فهذا وضع طبيعي، فالشعب السوداني دائما اذكي من السياسيين في هذا البلد، فقد تخدعه مرة، ولكن لن تخدعه كل مرة، فلقد انطلت عليه خدعة قوي إعلان الحرية والتغيير “قحت” أول عهد ثورة ديسمبر، وسلمها زمام القيادة، فلما تأكد له أنها تسعي لتجيير كل شئ لصالحها انصرف عنها، ولم تعد تنطلي عليه حيلها وألاعيبها، ولما حاولت قوي أخري استثمار الهوة التي حدثت بين الشعب وقحت، وتجييرها لصالحها، ورفعت شعارات براقة لذلك، لم تنطل هذه الشعارات علي الشعب، وكشف زيف كثير منها، وادرك مبكرا أن كثيرا منها مجرد كلمات أحق يراد بها باطلا، ولكن المشكلة الكبيرة أن السيد البرهان، وحده الذي ظل يخاف من قحت، رغم أنها قد ماتت وشبعت موتا، ولا يزال يرجو خيرا من القوي المناهضة لها، رغم أنها لا خير فيها ولا كفاية شرها، ولا تساوي جناح بعوضة.
وليت الأزمة وقفت عند حدود قحت والمناهضين لها وحدهم، ولكن كل القوي حول السيد البرهان لم يعد له فيهم خيرا، وأول الذين ذهب الخير منهم، زملاؤه في المجلس السيادي، واعني كل أعضاء مجلس السيادة بلا استثناء، ولم نستثن السيد البرهان إلا لما له من رمزية، تحققها له صفته الأخري، القائد العام للقوات المسلحة، ودعونا نتحدث في هذه المسألة بدون تحفظ، وبلا تردد، وبدون رتوش، وبغير تجميل ولا تزيين، ولنفصل مكونات مجلس السيادة، ونتحدث عن كل مكون، ولنبدأ بالعسكريين الأربعة، الفريق أول محمد حمدان دقلو “حميدتي” والفريق أول ركن شمس الدين كباشي، والفريق ركن ياسر العطا، والفريق ركن إبراهيم جابر، فلقد تأكد بما لا يدع مجالا للشك، أنهم ليسوا علي قلب رجل واحد، وأن قلوبهم شتي، ولا احسب أنهم جميعا أو اشتاتا علي توافق وانسجام مع السيد البرهان، أما ممثلو الحركات المسلحة، فهؤلاء زادوا المجلس خبالا، ولا يخفون أنهم غير متوافقين مع رئيس المجلس، وبعضهم يحرص علي إظهار خلافاتهم مع الرئيس، ورفضهم لما أصدر من قرارات، بمناسبة، وبغير مناسبة كذلك. ولقد شكلت مشاركة الحركات المسلحة في الحكومة عبئا ثقيلا عليها، فبسبب مشاركتهم تم تعديل الوثيقة الدستورية لتبيح مشاركة أحزاب قحت مع الحركات، ولما ازاحت قرارات الخامس والعشرين من أكتوبر أحزاب قحت، لم تزح معها الحركات المسلحة، وظلوا باقين مثل “الكلمة الشاذة” أما المدنيون في مجلس السيادة فهم لا يمثلون إلا أنفسهم، ومع إحترامي الشديد لهم جميعا كافراد، ولكن ليس لأحد منهم وزن ولا ثقل يضعه في مجلس السيادة، والحل الوحيد أمام السيد البرهان أن يستقبل من أيامه ما استدبر، ويعيد استجابة نداء الثوار الأول “جيش واحد شعب واحد” ويخرج بعباءة المؤسسة العسكرية وحدها، وحتى يعود “كما كنت” يحل مجلس السيادة بكل مكوناته، يحيل العسكريين الأربعة كلهم إلى المعاش، ويعود قادة الحركات إلى حركاتهم يعملون علي تحويلها إلى أحزاب وقوي سياسية، ويتابعون تنفيذ بند الترتيبات الأمنية مع الجيش، ويقفون علي دمج وتسريح قواتهم، ويعود المدنيون إلى حيث أتوا مشكورين مأجورين. وبالنسبة للوزراء والولاة، فهؤلاء أراهم في تكوينهم الأخير أقرب إلى التكنوقراط المدنيين الذين يناسبون هذه المرحلة، ويشكلون حكومة مدنية مثلما يطلب الثوار، مع مراجعة لبعضهم الذين لم يثبتوا كفاءة تناسب تحديات المرحلة. ويستكمل تشكيل الأجهزة العدلية والقضائية، ويكون المفوضيات المطلوبة المهمة، وفي مقدمتها مفوضيات مكافحة الفساد، والعدالة الإنتقالية، والانتخابات، ويتم إعلان موعد الإنتخابات العامة في زمن لا يتجاوز العام الواحد فقط.
أما بالنسبة للأحزاب والقوي السياسية، سواء الأربعة، أو التسعة، الطويلة، والقصيرة، المركزية والمتحالفة، وغيرها، يرمي السيد البرهان طوبتها جميعا، لا يقرب بعضها، ولا يستعدي بعضا آخر، وليس لأي حزب سياسي دور في الحكم خلال هذه المرحلة الإنتقالية، فلتنصرف جميعها إلى إعداد نفسها، وتنظيم صفوفها لخوض الإنتخابات المقبلة، أما القوي المجتمعية، مثل الطرق الصوفية، والادارات الأهلية، والكيانات القبلية، فهذه ليس لها علاقة بالحكم من قريب ولا بعيد، فلينصرف كل منها إلى شأنه، ولا شأن لهم بالحكومة، ولا للحكومة بهم شأن.
ان ما قاله النور عنقرة ثاحب الكثير من الحقيقة في ابعاد طاقمه العسكري والاحزاب السياسية وحتى الحركات اامسلحة لتعمل في الاندماج والتسريح . لكن ذلك صعب لعدم وجود حاضنة سياسية تسنده.وكيف يستطيع اختيار حكومة تكنوقراط وهو ليس له دراية بذلك وهو يخشى كثيرا مكومات قحت. ام المعادلة مت زالت عصية وان المبادرة الاممية مع بعض التعديل يمكن ان تقود الى حل.