جمال عنقرة يكتب في (تأملات) .. عتود أحمد الطيب.. ودروب الخروج من نفق الأزمة
كتب صديقنا الدكتور أحمد الطيب إبراهيم استشاري جراحة الكلي والمسالك البولية المعروف مقالا بطريقته اللطيفة المعهودة، بني فكرته علي حدوتة عتود معروفة، لا داعي لذكرها الآن حتى لا ندخل في “شؤون وطرائق” ندخرها “للشديد القوي” ولكن خلاصة الفكرة البحث عن مخرج آمن لعسكريي المرحلة الإنتقالية حتى تكتمل التسوية المنشودة بسلام، ومع اتفاقي مع بعض ما جاء في المقال، خصوصا في ما يتعلق بترجيح النظر إلى المستقبل، لكنني أري أزمة المشكل السوداني أكبر من ذلك واعمق بكثير.
في تقديري أن المشكلة الأساسية عند الساسة السودانيين، والتي تجلت بصورة أكثر وضوحا في هذه السنوات الثلاث أو الأربع الأخيرة، أن كل طرف يسعي لأن يكسب وحده دون الآخرين، ويفضل لو أنه كسب وخسر الآخرون، والأفضل عند كثيرين منهم أن يحولوا مكاسب الآخرين إلي خسائر لأصحابها، ومكاسب لهم، وهذا ما نحاول الوقوف عنده بتتبع مجريات الأحداث منذ أيام مخاض الثورة الأولي وحتى يومنا هذا.
معلوم للجميع أن مظاهرات سبتمبر ٢٠١٣م كانت أعنف كثيرا من تلك المظاهرات التي انطلقت في ديسمبر عام ٢٠١٨م، الفرق الوحيد هو، أن نظام الإنقاذ كان متماسكا إلى حد كبير في العام ٢٠١٣م، بينما شهد خلافات واختلافات واسعة في العام ٢٠١٨م، وزاد من ذلك أن القيادات العسكرية في اللجنة الأمنية قرروا استثمار المظاهرات للقضاء علي نظام البشير، وكان لثلاثة من أعضاء اللجنة الأمنية الدور المحوري في ذلك، هم الفريق أول ركن عوض ابنعوف وزير الدفاع، والفريق أول مهندس صلاح عبدالله قوش مدير جهاز الأمن والمخابرات، والفريق محمد حمدان دقلو ” حميدتي” قائد قوات الدعم السريع، والغريبة أن ثلاثتهم من صنع البشير، الفريق ابنعوف أتي به من المعاش، وكذا الأمر بالنسبة للفريق صلاح قوش، أما الفريق حميدتي فتعيينه وترقياته كلها تمت في عهد البشير وعلي يديه، ولا يقف دور اللجنة الأمنية عند قرار خلع البشير وحده، ولكن يتحدث كثيرون عن أن إعتصام القيادة كان من صنع بعض أهل هذه اللجنة، فهم الذين دلوهم علي ذلك، وفتحوا لهم الطريق، ومهدوا لهم درب الوصول، لذلك فإن دور العسكريين في إسقاط نظام الإنقاذ كان أكبر بكثير من دور السياسيين، بل إن بعض السياسيين لم يكن لهم أي دور في ذلك، وبعضهم كانوا يسخرون من المظاهرات، وبعضهم كانوا علي إتصال وتواصل دائم مع أمن الإنقاذ، ومعلومة الإجتماعات التي كان يعقدها السيد صلاح قوش مع قادة المعارضة البارزين.
وبمجرد سقوط الإنقاذ حرض السياسيون الحزبيون المتظاهرين علي شركائهم العسكريين، وبعد كل ما كان بينهم من تنسيق، دعوا المتظاهرين للمطالبة بذهاب العسكريين باعتبارهم من سدنة النظام السابق، فاستغلت بعض القيادات العسكرية هذا الموقف للتخلص من بعض إخوانهم في المجلس العسكري الإنتقالي، فتخلصوا أولا من عوض ابنعوف، ثم صاروا يتخلصون منهم واحدا تلو الآخر، ولم يرض عنهم شركاؤهم الحزبيون، الذين بلغ مطلبهم خروج العسكريين جميعا من المشهد السوداني كله، بما في ذلك المسرح العسكري نفسه، بما ينادون به من جيش جديد، بعقيدة قتالية جديدة.
السياسيون الحزبيون في قوي إعلان الحرية والتغيير، بعد أن ضمنوا قبول المكون العسكرى لهم ممثلا لكل مدنيي الثورة، صار بعضهم يتآمر علي بعض، حتى صفا الأمر علي أربعة فقط، هم ما عرفوا بمجموعة أربعة طويلة، وفي المقابل تشكل الآخرون في تجمع آخر استمالوا له المجموعات التي اقصتها مجموعة الأربعة وشكلوا مجموعة تسعة طويلة، التي تبلورت في مجموعة الميثاق الوطني، واستغلت هذه المجموعة الخلافات والصراعات التي نشبت بين مجموعة المركزية، والمجموعة العسكرية، فانحازوا إلى العسكريين، واحتموا بهم، وحازوا دعمهم واسنادهم، واستغلوا هذا الموقف لشن حملة مسنودة بالعسكر ضد إخوانهم، شركاء العسكريين السابقين مجموعة الأربعة، فلم يجد الأربعة غير الاحتماء بالخارج ممثلا في المبعوث الأممي السيد فولكر بيرتس، لينتصر لهم علي العسكر، وعلي غرمائهم من الحزبيين الآخرين الذين صاروا حلفاء للعسكر.
هذا الوضع الشاذ المتشابك المشبك، لا يبشر بنجاح أي تسوية، لأنه لا يوجد أحد يفكر في تسوية تستوعب الجميع، وإنما يفكرون جميعا في تسويات تحقق مكاسب لهم هم فقط، ويخسر بها الآخرون جميعا، وهكذا يفكر العسكريون، وهكذا تفكر مجموعة المركزية، ومجموعة الميثاق الوطني، وبهذا يخسرون جميعا، ويخسر قبلهم الوطن، وكل المواطنين.