جمال عنقرة يكتب في (تأملات) .. العسكريون .. شيلوا شيلتكم

لا أدري إن كان العسكريون، وأعني بهم العسكريين في مجلس السيادة، لا أدري إن كانوا قد وضعوا أنفسهم في هذا الموضع، أو وضعهم فيه آخرون، أو أن الظروف قد فرضت عليهم ذلك، ولكنهم مهما كان السبب، ومهما كانت الطريقة، فقد صاروا اللاعب الأساسي في المسألة السودانية، وصاروا هدفا للبعض، ومستهدفين من بعض آخر، ووسيلة لتحقيق أهداف آخرين.
فعندما خرجت مظاهرات ديسمبر احتمي بهم الثوار، ولما حمي الوطيس استغلهم أدعياء الثورة من الحزبيين ومن بعض منسوبي النظام السابق واسقطوا بهم حكم البشير، ثم استغلت مجموعة من قوي الثورة، هم أحزاب مركزية الحرية والتغيير استغلوا السند الخارجي وضغطوا علي العسكريين فنصبوهم وحدهم ممثلين لقوي الثورة المدنية، ثم استغلت الحركات المسلحة منبر جوبا، ورغبة بعض الأحزاب في المشاركة في الحكومة، فدخلوا الخرطوم التي عجزوا عن دخولها بكل الوسائل والسبل، فتمكنوا منها ومن الحكم، واستباحوا أشياء كثيرة واستحلوا ما كان محرما عليهم وعلي غيرهم، وزاد من تمكينهم أنهم لما حدث الطلاق بين العسكر وقحت والوا العسكريين، فحفظوا لهم كل ما كسبوا، سواء الذي يستحقونه، والذي لا يستحقونه أيضا.
الحوارات التي تدور الآن يشكل العسكريون محورها الأساسي، فالذين استجابوا لدعوة الآلية الثلاثية واجتمعوا في فندق السلام روتانا، هدفهم الأساسي أن يمكنهم العسكريون من المشاركة معهم في ما تبقي من عمر الفترة الإنتقالية، مشاركة مباشرة أو غير مباشرة، والذين امتنعوا عن حوار السلام روتانا واستجابوا إلى دعوة الوسطاء الخارجيين وقبلوا اجتماعا منفردا مع العسكريين هدفهم الأساسي أن يعودوا إلى مشاركة العسكريين الحكم مرة أخري مثلما كان قبل الخامس والعشرين من شهر اكتوبر العام الماضي ٢٠٢١م، والذين رفضوا حوار روتانا وكافوري واحتموا بمجموعة شباب الماريس حددوا هدفهم بذهاب العسكر دون رجعة.
ويتضح مما ذكرت في ما سبق بإختصار شديد، ارجو ألا يكون مخلا، أن كل فرقاء الساحة السياسية السودانية يسعون إلى تحقيق أهدافهم من خلال العسكريين، وكما هو ثابت فإن العسكريين شكلوا رأس الرمح في إنجاز كل المراحل السابقة ابتداء من إسقاط حكومة الإنقاذ، ومرورا بالتمكين لمجموعة قحت، ثم التمكين الشديد للحركات المسلحة، ثم عزل مجموعة قحت، وزيادة التمكين للحركات المسلحة ومجموعة الموز، وحتى ما يجري الآن علي الساحة، ولا أري فيه شيئا يخدم السودان الوطن، ولا السودانيين المواطنين الوطنيين الشرفاء، ولأجل ذلك أصر علي دعوتي القديمة، بأن ينصرف العسكريون عن كل الذين يسعون إلى استغلالهم لتحقيق مصالحهم ومآربهم الحزبية، ويركزون على ما فيه صالح الوطن والمواطن، ولا شئ يصلح في هذه المرحلة غير حكومة كفاءات قومية وطنية مدنية تسير أعمال البلاد، وتخدم قضايا العباد حتى يتم تسليم السلطة إلى حكومة مدنية منتخبة كليا من الشعب دون وصاية ولا عزل.
واجدد تفصيلا هذه المرة المقترح الذي قدمته قبل ذلك لتشكيل الحكومة المدنية دون مشاركة أو مشاورة أي مكون من القوي الحزبية، أو الحركات المسلحة، أو الإدارات الأهلية، أو الطرق الصوفية، أو أي مجموعات دينية أو قبلية أو جهوية، أو مسارات، أو غيرها، فيتم تكوين كلية شورية لكل وزارة من أهل اختصاصها، فمثلا وزارة الخارجية من السفراء السابقين المهنيين، ووزارة الصحة من كبار الأطباء والاستشاريين والاختصاصصين، ووزارة الزراعة من الباحثين المخضرمين، وهكذا بالنسبة لكل الوزارات، وتجلس كل مجموعة استشارية وترشح ثلاثة أسماء من أهل الاختصاص المشهود لهم بالخبرة والكفاءة والنزاهة وحسن الأداء، يدفعون بهم إلى المكون العسكري يختار من بينهم واحدا وزيرا للوزارة، ولا يجوز له الإختيار من خارج الثلاثة، وإذا لم يقتنع بواحد منهم يعيدهم إلى الكلية الشورية ترشح ثلاثة غيرهم يختار من بينهم واحدا وزيرا للوزارة، فإذا اكتمل عدد الوزارء المرشحين يجتمعون فيما بينهم ويختارون ثلاثة أسماء وطنية مرموقة يدفعون بهم إلى المجموعة العسكرية، تختار من بينهم واحدا رئيسا لمجلس الوزراء، وبهذا تتشكل حكومة مدنية كاملة الدسم، من كفاءات قومية وطنية لا غبار عليها، تقود البلاد خلال ما تبقي من عمر الإنتقال الذي لا يزيد عن عام واحد باي حال من الأحوال، ويظل العسكريون لأعمال السيادة الوطنية التشريفية، ولادارة شؤون الأمن والدفاع.