(بحصافة) .. إبراهيم الشيخ.. والأوبة الوطنية الراشدة بقلم : إمام محمد إمام
i.imam@outlook.com
لم يكن المهندس إبراهيم الشيخ رئيس حزب المؤتمر السوداني السابق، والقيادي الريادي في تأسيس قوى الحرية والتغيير، والقيادي البارز في المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير، شاذاً في أوبته الوطنية الراشدة، فكثيرٌ من السياسيين داخل السودان وخارجه، كانت لهم أوبات وطنيات راشدات، من أجل أوطانهم وشعوبهم.
أحسبُ أن الأخ إبراهيم الشيخ بفطنته السياسية، أدرك تمام الإدراك أن الوطن في خطر! وأن هذا السودان معرضٌ لتقسيم المقسم، وتجزئة المجزأ، إن لم يتداركه أهلوه قبل فوات الأوان! فألزم نفسه وهو بعيداٌ عن المؤثرات الحزبية، وبمنأىً عن المضاغطات السياسية، فعمل على مراجعة عميقة، لمواقفه السياسية في كثير من قضايا الوطن، وهموم المواطن. وتوصل بعد هذه المراجعة العميقة، والتأمل العميق، لمآلات سياسات حُكم الفترة الانتقالية التي أدت خلال بضع سنواتٍ إلى تأزيم المواقف، وجعلت من السودان وطناً مأزوماً، يبحث عن معالجات سواء من الداخل أو الخارج، نتيجة حتمية للاجتهاد المضني من قبل سياسيي قوى الحرية والتغيير في الإقصاء، ورفض الآخر، زُمراً وفُرادىً! ومن ملاحيظه في تلكم المراجعة، وذلكم التأمل، أن سياسات الحكم الانتقالي، بشراكة المكون العسكري مع المكون المدني المتمثل في أحزاب وجماعات قوى الحرية والتغيير التي عمق فيها المكون المدني، وسايره المكون العسكري إلى حينٍ الإقصاء، ووطنّ العزل، وأشعل خطاب الكراهية، وأوقد مرارات الماضي، وولد إحن الحاضر! مما غرس الكثير من الأحقاد، وأجج روح الانتقام في نفوس أهليها ومناصريها!
واستدرك الأخ إبراهيم الشيخ في هذه المراجعة المتأملة التي قادته إلى الأوبة الوطنية الراشدة، أنه وأهلوه في الحرية والتغيير يُديرون البلاد، وكأنهم ما زالوا طلاباً، غض الإيهاب، شديدي الحماسة، يناقشون قضايا الوطن، وهموم المواطن، بلا درايةٍ ولا دربةٍ، في أركان النقاش بالجامعات السودانية، ولم يتحلل بعضهم من التأثير العميق لجدالهم ونقاشهم، في أركان النقاش أمام كافتيريا النشاط، وقاعة امتحانات جامعة الخرطوم والMain Road وغيرها من أماكن أركان النقاش في جامعة الخرطوم، إذ لم تشهد تلكم الأماكن نقاشهم الساخن فحسب، بل شهدت صراخهم وعِراكهم وتشابكهم بالأيدي، وانفضاض أركانهم دون الوصول إلى أهدافهم ومقاصدهم! وهم في هذه الأجواء التي كان الأخ إبراهيم الشيخ وبعض جماعته من فرسان حلبتها! نسوا أو تناسوا القاعدة الذهبية في النقاش التي تقول: “ارتفاع الصوت لا يدل على المقدرة على الاقناع”. وكأني بالأخ إبراهيم الشيخ، وهو يتذكر الصراعات السياسية المحتدمة للطلاب أيام الشباب في أركان النقاش بالجامعات، يُردد اليوم خِلسةً، قول الشاعر العباسي الشهير أبي العتاهية:
عريتُ من الشباب وكنتُ غضاً
كما يُعرى من الورق القضيب
فيا ليتَ الشبابُ يعودُ يوماً
فأخبره بما فعلَ المشيبُ
وفي رأيي الخاص، حسناً فعل، الأخ إبراهيم الشيخ، بإقراره في غير غموض أو لبس أو مواربة، بأنهم على مختلف مشاربهم الفكرية، وتباين مكوناتهم الحزبية، نقلوا عدوى هذا الصراع الطلابي المميت إلى أحزابهم ومكوناتهم السياسية! فالكل يسعى جاهداً ليس إلى إقناع الآخر بحجاجه وبراهينه، بل إلى هزيمته، وكأنهم في حرب داحس والغبراء!
وأكبر الظن عندي، أن الأخ إبراهيم الشيخ عندما وصل بتلكم المراجعات العميقات، إلى قناعات وطنية محددة، وهو بعيد عن الوطن، ولكنه كان يُتابع من هناك هموم المواطن، لذلكم هالته المآلات المتوقعة لهذا الوطن -الطيب أهله- في مُقبلات الأيام! وتأمل بنظرةٍ ثاقبةٍ إلى المبادرات والنداءات الوطنية من أجل التوافق الوطني التي تترى بين الحينِ والآخرِ من هنا وهناك، تستهدف في مقاصدها إحداث التوافق الوطني، لعبور الفترة الانتقالية، بسلاسةٍ وسلامٍ. وأحسبُه، يعتقد جازماً أننا إذا لم نقضِ على الإقصاء والعزل، ونحول دون إشاعة خطاب الكراهية، لن نصل إلى مُبتغانا في تحقيق التوافق الوطني، وعبور الفترة الانتقالية بسلامٍ وأمانٍ، إلى انتخاباتٍ حُرةٍ ونزيهةٍ، تُمثل الفيصل الأهم في الحصول على التفويض الشعبي للحزب الفائز أو الأحزاب المؤتلفة، حسب المحصلة النهائية لتلكم الانتخابات المرتقبة.
ويعترف الأخ إبراهيم الشيخ في هذه الأوبة الوطنية الراشدة أنه توصل إلى قناعة تامة، بضرورة أن يترجل الشعب السوداني من طول معاناته، ورهق حاله، طوال ما يزيد عن ستين عاماً، وهو يُعاني الأمَرين، منتظراً انبلاج الصُبح دون فائدة، رغم وعود السياسيين، من الأزهري إلى حمدوك!وبشارات ما في باطن الأرض وفوقها من خيراتٍ، وهو ما زال يعيش عِيشة الكفاف، بينما الدول من حوله استقرت بعد حروبٍ، وقطفت ثمار سلامها، قمحاً ووعداً وتمني! ولنا في رواندا خيرُ شاهدٍ، وعظيمُ دليلٍ، على ذلكم الأمن والاستقرار، وعلى تلكم الرفاهية والازدهار!
أخلصُ إلى أنني قصدتُ بهذه العُجالة، الإشادة بأوبة الأخ إبراهيم الشيخ الوطنية الراشدة، واستنكار السُخرية منها بجهلٍ وجهالةٍ! فإننا ينبغي أن نثمن مثل هذه الأوبات الوطنية الراشدة للسياسيين، والمطالبة بإحداث مراجعاتٍ لإنهاء خطاب الكراهية، ودعاوى الإقصاء والعزل، سواء للجماعات أو الأفراد، لنحقق التوافق الوطني المنشود.
ولنستذكر في هذا الصدد، قول الشاعر العربي عمرو بن الأهتم التميمي:
لَعَمْرُكَ ما ضاقَتْ بِلاَدٌ بأَهْلِهَا
ولكنَّ أَخلاقَ الرِّجالِ تَضيقُ
ولنتذكر مع الأخ المهندس إبراهيم الشيخ في أوبته الوطنية الراشدة، قول الله تعالى: “وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُواْ ۚ وَٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَآءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِۦٓ إِخْوَٰنًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍۢ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ ءَايَٰتِهِۦ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ”.