لواء شرطة م عثمان صديق البدوي (قيد في الأحوال) .. هل سيتحقق حلم جماهير الحزب الإتحادي الأصل : يا الختِم ختِم عثمان.. يا رُكّازة السودان؟!
معلوم أنّ أساس الحزب الإتحادي الديمقراطي هو حزب الأشقاء الذي تكوّن في العام 1953، وسمِّي فيما بعد بالحزب الوطني الإتحادي ، والذي تشكّل من مؤيدي السيد إسماعيل الأزهري وجماهير الطريقة الختمية . لكن كان هذان المكوِّنان في حالة عدم ارتياح مع بعضهما البعض ، وذلك لفكر الأول الذي يميل لخط اليسار ، وهم “الأفندية” الذين تسلّلوا من “مؤتمر الخريجين”، والثاني، حزب الشعب الديمقراطي ، الذي يميل لليمين ، بحكم خلفيته الدينية أيّاً كان الإختلاف حولها، وقد تم جمعهما لأسباب تكتيكية، لأنّ الحزب الوطني الإتحادي كان يفتقر إلى قاعدة واسعة تحقق له النجاح الانتخابي بمفرده، سيّما والمنافس الرئيسي حزب الأمة الذي تدعمه جماهير الأنصار . لكن لم يدم ذلك الود طويلاً ، فانفصل الختمية عن الحزب الوطني الإتحادي ، وكونوا حزب الشعب الديمقراطي في العام 1956، والذي تحالف مع حزب الأمة في مطلع 1958، وشكّلا أول حكومة بعد الإستقلال ، لكن لم تستمر تلك الحكومة المدنية كثيراً ، بسبب مشروع المعونة الأمريكية المشروط الذي تقدّمت به إلى الحكومة السودانية آنذاك ، والذي قوبل بمعارضة شديدة كادت أن تطيح بائتلاف الحزبين الحاكمين ، ولمّا كانت أمريكا تريد تمرير أجندتها، خلقت شرخاً واسعاً بين الحزبين ، الأمر الذي أدّي لإضعاف حكومة عبد الله خليل ، ليتدخّل الجيش ، واستلام الفريق إبراهيم عبود للسلطة في 17 نوفمبر 1958، وعلى الفور تعاونت أمريكا مع نظام عبود الذي وجدته حليفاً عسكرياً يمكن التعامل معه بسهولة ! ، فقبلت حكومة عبود المعونة الأمريكية، وزار عبود الولايات المتحدة ، ووجد الترحيب ، لكن لم تدم تلك العلاقة الأمريكية التي نسفتها ثورة أكتوبر 1964، التي أزاحت الحكم العسكري، وبالتالي تدهورت علاقة أمريكا بالسودان حتى انقطعت بعد حرب 1967. وفي ذات العام اندمج الحزبان ، الوطني الإتحادي ، وحزب الشعب الديمقراطي، ليشكِّلا الحزب الإتحادي الديمقراطي ، وقيل سبب تلاقيهما مرّة أخرى ، هو مجيئ الملك فيصل بن عبد العزيز ، لحضور مؤتمر القمة العربية، والذي جمع بين الفرقاء بجنينة السيد علي الميرغني بالخرطوم ، لإعجابه بهذا الحزب الوسطى ، الذي سيكون له شأن في مسيرة السودان، لقبوله في معظم مناطق السودان ، وكان الإتفاق، والذي لم يصمد بعد سنوات طوال، وانقسام الحزب التاريخي ، إلى الحزب الإتحادي الديمقراطي الأصل، والحزب الإتحادي الديمقراطي القيادة الجماعية، والتجمع الإتحادي المعارض. كما أنّ الإنقسامات انهكت الند التقليدي حزب الأمة لعدة أحزاب هو الآخر ، إذ يجدها الجيش فرصة أخرى، ويستلم نميري الحكم في مايو 1969، وحتى العام 1971 كانت أمريكا لا تتعاون مع السودان لانحياز نميري للمعسكر الشرقي واعترافه بألمانيا الشرقية، لكن بعد فشل المحاولة الإنقلابية الشيوعية في العام 1971، غيّر نميري توجهه نحو أمريكا، وعزّزت أمريكا من وجودها السياسي والأمني والإقتصادي في السودان، وقدّمت دعم يُعتبر الأكبر في أفريقيا، ودخلت شركة شيفرون للإستثمار في مجال النفط، إضافة لتدفق المعونات الأمريكية وصندوق النقد الدولي على السودان ، وزادت المعونات الأمريكية حتى بلغت أكثر من أربعمائة مليون دولار في العام 1985، لكن عادت الجفوة من جديد بعد إعلان نميري تطبيق الشريعة في العام 1983، وبعد ذهاب مايو وعودة الديمقراطية الثالثة برئاسة الصادق المهدي ، تدنّت المعونات الأمريكية إلى أقل من خمسة وعشرين مليون دولار في عام 1985، وانسحبت شركة شيفرون من الإستثمار في النفط، لعدم تجاوب حكومة الصادق المهدي مع الامريكان وعدم استطاعتها إلغاء قوانين الشريعة التي استنها نميري، والتي رفض المجلس التشريعي المنتخب إلغاءها، وفي العام 1988 تم تطبيق أول عقوبات أمريكية على السودان، بحجة تراكم المتأخرات وعدم سداد الديون، وبالتالي تم تكبيل الحكومة المدنية ، وإفقارها، مما سهّل لإنقلاب 30 يونيو 1989، التي دعت له بعض الأحزاب بسبب إحباطها ، والحال المتردي، وفي العام 1990 جمّدت أمريكا كل المساعدات الأمريكية الإقتصادية والعسكرية استناداً على قانون يمنع الإستيلاء على السلطة بواسطة إنقلاب عسكري، وفي عام 1993 تم إدراج السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب، وحُرمت البلاد من برامج المعونة الأمريكية الزراعية وبرامج دعم السلام والقروض التفضيلية، حتى وصلت في العام 1996 إلي إغلاق السفارة الأمريكية في الخرطوم ، وفي العام 1997 فرض الرئيس الأمريكي بيل كلنتون عقوبات اقتصادية شاملة على الخرطوم .كل ذلك لعدم تجاوب حكومة البشير بتنفيذ طلب أمريكا الأوحد ،وهو إلغاء قوانين سبتمبر .
ما أشبه الليلة بالبارحة ! … والحديث يطول في سياستنا السودانية التي نخرِّبها بأيدينا ، ونحيك لها الدسائس ، والسبب يعود في عدم سيرها على خط وطني واحد متوازن هو التدخل الأجنبي ، وتحديداً من أمريكا ، والدعم المشروط باسم المعونة الأمريكية، ولاستمرارية هذا الدعم ، تريد أمريكا من كل الحكومات السودانية المتعاقبة شيئ واحد ، هو أن يكون دستور البلاد علمانياً ، ليس فيه أي طعم ولا رائحة للإسلام، بل محو اسم الإسلام من ديباجة الدساتير التقليدية المعروفة على مدى الخمسين عاماً والتي تنص على ” أنّ الشريعة والعرف هما مصدر أساسي للتشريع” ، وحتى لو لم يتم تطبيقها فعلياً لتبرز الهوية الإسلامية للبلد ، شأنها كشأن أي دولة عربية إسلامية، تُقر الهويّة الإسلامية في دساتيرها ، وإن لم تطبقها ! ، وتخرج الحكومات من الذِْمة ، وهذا سبب رفض كل الحكومات السابقة، عسكرية كانت أو ديمقراطية، بأنّ برلماناتها لن توافق على تغيير هوية شعوب، وأنّ الشعوب لن ترضى عنها حين يصل الأمر لتغيير هويّتها، لذا فضّلت تلك الحكومات البقاء على كراسي السلطة، من دعم أمريكي “مجهجه”!
وما أشبه الليلة بالبارحة ! … فلم تقتنع أمريكا.. ولم “تقنع” .. ولن “تقنع”! ، فهي في هذه المرّة أتت بخيلها وخيلائها، لتدخل عبر فترة إنتقالية، لتغيِّر السفارة وتأتي بسفير من طراز خاص ، بعد ثلاثين عام !،متخصِّص في شمال أفريقيا، ليتم تغيير الدستور ، وأمريكا هي الدولة الديمقراطية التي تعلم تماماً كيف يتم تغيير الدساتير ! ،تلك التي لن يغيرها كائن في الأرض إلّا إرادة الشعوب المتمثلة في المجالس التشريعية المُنتخبة، لذلك تسعى أمريكا وحلفاؤها هذه الأيام ، وعلى عجلة من أمرها ، وبكل ما تملك من إغراء بتدفُّق معونة، وتهديد بعقوبات تطال القيادات ، وقد رغّبت أحزاب اليمين بالإنحياز لها، ووصلت قياداتها واحداً واحداً ، عبر مسميات آليات ثلاثية ورباعية!، والتي دخل معظمها في “الفورمة”، فقط بقى منها المارد القديم ، الحزب الإتحادي الديمقراطي الأصل ، والذي قد لمّح في الإنضمام لتيار اليسار ، بتصريحات القادم قبل أيام من الخارج السيد محمد الحسن الميرغني بالإنضمام للوثيقة الدستورية، الأمر الذي أوجد خلافاً بينه وأخيه السيد جعفر الميرغني الذي يسير في خط المبادرة الوطنية ، ولا شك أنّ الحزب الإتحادي الديمقراطي له وزن معتبر في الساحة السياسية السودانية ، فبالتأكيد انحيازه لأي طرف سيغيِّر الخارطة السياسية ، وله وزن وثُقْل كبير في الشارع السوداني، الذي هو رهن إشارة زعيمه الروحي السيد محمد عثمان الميرغني ، “الحبيب المنتظر” ونظراً لأنّ هذه المرحلة مفصلية في تاريخ السودان تتطلب تدخُّل الكبار ، فقد حملت الأنباء أمس، وكشفت من خلالها هيئة الختمية عن موعد عودة مرشد الطريقة الختمية، رئيس الحزب الإتحادي الديمقراطي الأصل مولانا محمد عثمان الميرغني إلى البلاد يوم الإثنين 14 نوفمبر 2022 ، بعد غياب امتد لحوالي عقد من الزمان، وأكد البيان أنه سيكون في استقبال الميرغني قيادات الحزب الإتحادي الديمقراطي الأصل وجماهيره وشباب الطريقة الختمية والطرق الصوفية وجموع الشعب السوداني .
والبلاد على مفترق الطرق، وعلى حافّة الإنهيار … ولحين عودة “أبو هاشم” بعد أيام ، والتي تحلم بها جماهير الحزب والمريدون من قديم الزمان.. هل سيتحقق حلم الحزب القديم والختمية والنشيد القديم :
يا الختِم ختِم عثمان يا رُكّازة السودان؟!
لواء شرطة م
عثمان صديق البدوي
8 نوفمبر 2022