د. يوسف الناير يكتب : تفكير القلوب .. دروس التاريخ
دفعني عراك الساسة السودانيين حول كرسي السلطة للمراجعة والتأمل في تجارب بعض دول العالم المتقدمة منها ، والتي تعمل وتسعى لتحقيق تلك الآمال، فوجدت تاريخا حافلا بالنزاعات والصراعات والحروب الأهلية دون استثناء ، فأدركت أن ما شهدته الدولة السودانية وتشهده اليوم من حروب وصراعات ونزاعات مسلحة وغير مسلحة هي ظروف مرت على كافة دول العالم وأكبر دليل على ذلك ، الحرب العالمية الأولى والثانية وما سبقهما من أحداث، لكن ماذا فعلت تلك الدول والشعوب بعد ذلك وكيف تعاملت مع تاريخها المظلم ، وماذا فعلنا نحن؟
الإجابة عن هذا السؤال هي المفتاح الذي يبحث عنه الساسة السودانيون منذ زمن طويل ولا يجدون أثرا لذلك بسبب الذاتية والأنانية التي ظلت تحرك فكر الحكومات التي تعاقبت على حكم السودان ، وقد تجلت وتشكلت تلك المشكلات النفسية بصورة جلية في المشهد السياسي اليوم فإن لم يكن الأمر كذلك ! بماذا نفسر حالة الارتباك التي تسيطر على المشهد السياسي السوداني . فتفسير وتحليل حالة الانفسام والتشظي والتكتلات المناطقية والاثنية وغيرها من مظاهر الحمية الجاهلية يقودنا إلى نقطة البداية الصحيحة . (أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم) . فالآية الكريمة تعلمنا كيف نمشي في هذه الحياة للوصول إلى الغايتين ، ولكن في كل الأحوال فإن سعينا لتحقيق أية غاية لا بد من العمل الجماعي إذا أردنا السرعة والاتقان في آن واحد .والعمل الجماعي هو الشورى ( وأمرهم شورى بينهم) الآية.
تأمل في كلمة(أمرهم) تنطوي على بعدين مهمين :
الأول: التأكيد على العمل الجماعي وأفضلية قيمته ونتائجه.
الثاني: تشارك الناس في القضايا كافة ، والشراكة تقتضي عدم الانفراد بالرأي.
فالعمل الذي يقوم على التخطيط السليم يصل إلى أهدافه ولو كانت الامكانات ضعيفة ، والذي يقوم على العشوائية لا يحقق شيئا ولو كانت إمكاناته كبيرة كما نحن الآن ، بلد تتمتع بموارد وامكانات كبيرة ولكنها عاجزة عن النهوض بسبب الأنانية والذاتية . فالشورى تجعل
القضايا الوطنية الكبرى محل اتفاق بين أبناء الوطن كافة ، وتحت مظلة الشورى تتحقق القضايا الخاصة -التي تشعل لأجلها الحروب الآن – بسهولة ويسر ، وهذا يؤكد أن المدخل الصحيح لتحقيق الأهداف الخاصة بسرعة واتقان هو العمل الجماعي ، وبداية العمل الجماعي بالتفكير الايجابي . انظروا الى دول العالم اليوم ولمواجهة تحديات الحياة تجمعت في شكل تكتلات اقتصادية وسياسية وعسكرية . الاتحاد الافريقي ، الجامعة العربية ، الآسيان ، الاتحاد الأوروبي ، الأمم المتحدة .
إذا” : الحل الوحيد للأزمة السودانية هو الحوار للوصول إلى تسوية سياسية حاسمة يتم بموجبها وضع رؤية واضحة لحوارات ونقاشات مجتمعية واسعة النطاق بشأن دستور للبلاد يستطيع أن يخاطب كل التركيبة السكانية ويحدد حقوق كل مكون وكيفية الحصول على هذه الحقوق. خلاف ذلك سيستمر عراك وصراع الأجندة ونخشى أن ينتهي بنا الى مرحلة(فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها ) الآية.
د.يوسف محمد علي الناير
الجمعة ٢٠٢٢/١١/١١م