لواء شرطة م عثمان صديق البدوي يكتب في (قيد في الأحوال ) .. برّادة الصيني.. القريافا راميني !
دولة الصين عرفها الشعب السوداني من قديم الزمان ،حتى دخلت كلمة الصين في كل ثقافته وموروثاته وعاداته وتقاليده، فهي بدون مبالغة، في كل بيت سوداني، وكل شارع، وكل قاعة إجتماعات ، وكل نقطة بنزين وجاز وغاز ! . الصين أكلَ الشعب السوداني في “صحن صينها المِلِح والملاح”…. عندما نذكر الصين ، نتذكّر “صينيّة” تُقدَّم فيها شتى أصناف “الصُّفرة” ، ولا نعرف اسماً غيرها ، الصين، شرِبَ الشعب السوداني من “برّادها الصيني” حتى انصلح مزاجه وحاله ، وراحت “قريَفَته” ! ، و”تنّا”، وشرب شاي من ذاك “البرّاد ” ثلاثي ورباعي !، وفي رواية أخري قال : “كان لبن أسكُت كُبْ”، الصين هي “صينيّة الحركة” التي تدور حولها السيّارات ، لتسهِّل حركة الطريق ، الصين هي معلَم بارز للقاء السياسي والإجتماعي ، مثل “صينية باشدار” و”صينية القندول”، وغيرها ، حتى ولو اختفت من الوجود، تبقى “الصينية” والصين عالقة في أذهان السودانيين!. وفوق ذلك كله، الصين هي (قاعة الصداقة) تلك البناية الفخمة على مقرن النيلين ، لتجمع شتات السودانيين.. لكن… للأسف “نِحن السودانيين.. للجميل نكّارين”!.
إنّ للصين علاقات سودانية قديمة راسخة من عمق السنين ، وللسودان تجارب عديدة مفيدة مع الصين، حيث قدّمت تجاربها الممتازة في البنية التحتية، وأقامت المشاريع الاستراتيجية الضخمة ، التي حرّكت عجلة الإقتصاد السوداني خلال سنوات مضت ، ودون مكايدة سياسية ، وبكل حيادية ، فقد دعمت الصين إستخراج البترول، وسهر مهندسوها الليالي حتى خرج منساباً صافياً داخل الأنابيب ، رغم أنّ تلك الدولة العظمي الأخرى ، استكثرته علينا ! ، وعجّلت بفصل الجنوب… ومضى الجنوب، و”راح” ما استخرج من بترول معه !، و أنشأت الصين السدود والخزانات ، ومشروعات توليد الكهرباء ، وشبكات المياه للمدن والأرياف ، وشبكات السكك الحديدية ، بعد أن تمنّعت الدولة العظمي الأخرى إيّاها، ومنعت حتى إسبيرات القطارات ، و”بحقّنا”، والصين حين أطلقت القمر الصناعي في سماء السودان للإبحاث ، والصين حين شرعت في بناء أكبر مطار عالمي غرب جبل أولياء ! … ونُحسَد ! …. ويُوقَف بتعليمات من الدولة العظمي الأخرى إياها !… وبعد كل ذلك الأذي يعمل ساستنا بمقولة “الكلِب بريد خانقو”!
إنّ تعاون السودان مع الصين، وخلق شراكة قوية معها، يغني بلادنا شر الإبتزاز الدولي الذي لا يقدم دعمه للدول النامية “مثل حالتنا وحلاتنا” إلا بشروط ، يكون أثرها سالب ، من تدخل في شئون داخلية ، لدرجة طمس هويّتنا العربية والإسلامية، وكأنّ الهويّة كانت هي السبب المباشر في الحروب والنزاعات ! ، في حين أنّ الواقع يكذِّب ذلك، ويقول حتى سنوات حرب الجنوب التي صنّفها الغرب بأنها إسلامية مسيحية ، هرب الآلاف من مواطنيه، ليستجيروا بأهل الشمال المسلم، وأقاموا وسطهم، وحتى بعد انفصال الجنوب ، وقيام دولته ، مازال أبناء الجنوب الحبيب يجعلون من كوستي والضعين وكسلا والأبيض، ومدني وتندلتي وشندي ومروي “أريَح سكن”!، وحتى بعد إنفصال الجنوب وقيام دولته تنامت وتزايدت لغة “عربي جوبا”، والدليل أنّ هذا الجيل من أبناء الجنوب الذي يقيم وسطنا لا يعرف “اللهجات القبلية المحلية” بل يتعامل باللغة العربية الدارجية في كل معاملاته !. إذن “المشكلة وين؟!”
المشكلة يا سادة هي (مشكلة) ، تريد أن تخلقها أمريكا وربيباتها وعملاؤها، بأنّ الإسلام والعروبة هم سبب” البلاوي في السودان”!، لذلك يجب محوهما من ديباجة الدستور ، المدونة بقدم تاريخ السودان ، في حين أنّ ما قدّمه العرب للسودان ، ومنذ إستقلال السودان ، لم تقدم أمريكا “عُشره”! ، وما قدمته قطر فقط للسلام في إقليم دارفور ، ومن تشييد عشرات القرى النموذجية للنازحين لم تنشئ أمريكا 1٪ منه ، وفي تاريخ السودان الحديث لم ينشب نزاع وصراع بين المسيحية والإسلام ، بل الجميع يعيش في وئام تام، لدرجة “نرفع الفاتحة مع بعض”! ، ولدرجة “طعامهم حِلٌ لنا” واسألوا العم “نبيه قلادة” عن “صينية” رمضان التي يخرجها كل عام، خلال شهر رمضان في ” شارع مربع واحد شندي”، واسألوا عن “حزقيال” إذا باع سمحاً لدرجة كسب قلوب الناس وحبهم ! ،واسألوا عن “مكتبة سمير” التي رضعنا من ثديها الثقافة الإسلامية والعالمية! ، وإسألوا عن عمّنا الملازم شرطة معاش “ضحيّة برنابة “، الذي جاء للشمال صف ضابط صغير، وتدرّج في الرتب حتى رتبة الملازم شرطة ، وتقاعد للمعاش وقعد في شندي، رفض مغادرة الشمال حتى بعد الإنفصال ، ودائماً كان يقول لي وحتى أمس :(يا إبني عثمان بعد الشّفناهو من طيبة هنا ، مفارقتنا للشمال محال محال .. نموت هنا بس )! ، ويعيش “برنابة” وأسرته ،في شمال السودان، في أمان ، متحدياً الأزمان ومتمسكاً بشدّة بنشيد :
منقو قل لا عاش من يفصلنا
إنّ كل التجارب أكدت أنّ تعامل الغرب مع السودان هو الإنتقاص من سيادته، بل إن لم يمش السياسيون في خطه، فيهدّدونهم مرّة بالعقوبات التي ستطالهم شخصياً! ،حتى يوم أمس، رفعوا عصاهم الطويلة ! ، وكأن الغرب له معنا “ورثة”!. في حين نجد أنّ الصين عكس ذلك تماماً، فهي تحرص علي أستمرار علاقاتها مع الدول بتقديم الفرص المتكافأة بمايعرف بالإقتصاد التشاركي ، الذي يقوم علي المنافع المتبادلة ، دون التدخل في القرار السياسي ، و ما يمس سيادة البلد .
الصين يا سادة تملك الخبرات في كل المجالات ، وتملك أحدث مقومات التكنلوجيا، بجانب الدعم السياسي في المحافل الدولية، الصين فقط تبحث عن موارد الطاقة المتوفرة في بلدنا السودان ، طاقة كامنة “راقدة بالكوم”، ما اكتُشِف منها اليسير اليسير القليل جداً.
أمس في أكبر محفل (صيني عربي) وُقِّعت من خلاله عشرات الإتفاقيات التجارية والإقتصادية والعسكرية، التي تصل قيمتها لعشرات المليارات من الدولارات، أكد رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان خلال كلمته التي ألقاها عن تطلع الخرطوم إلى مشروع زراعي عربي صيني في السودان لتحقيق الأمن الغذائي العربي، مشيراً الي أنّ العلاقات السودانية الصينية تاريخية وقديمة، وتمثِّل بكين أكبر شريك للخرطوم في كافة المجالات الاقتصادية، كما أكد جاهزية السودان لإتاحة كل إمكانياته التي تحقق هذه الرؤيةالاستراتيجية.
إنّ ما تم أمس في السعودية من شراكة صينية عربية، هو الصواب بعينه، وحتى يكون السودان “شيئ” من دعم الرئيس الصيني “شي”، مطلوب الإسراع في تكوين المؤسسة الوطنية الأمينة التي تدير هذه الشراكة بكفاءة، والمؤسسة الوطنية المطلوبة، هي تشكيل حكومة وطنية مستقلة من كفاءات ، لا هي من العسكر ، ولا من السياسيين المتقلبي المزاج المتغيري المبادئ ، بل من أساتذة الجامعات، وخريجيها الذين درَسوا ، ودرّسوا العلوم السياسية، ودرّسوا هيكلة الدول وعلم الإدارة ، ما أكثرهم في بلدي، صامتون، بعلمهم الغزير ، متواضعون، لا يطرقون أبواب اجهزة الإعلام ، مثل الآخرين ، لتلمّعهم وتطلي عليهم “بوهيا”، ! وتقدمهم للمواطن “العارف كل حاجة” !.
سارعوا وألحقوا “القمة الصينية العربية “.. والصين دولة مؤسسات ، وشكّلوا حكومتكم المدنية المؤسسة، من أساتذة وخريجي الجامعات المختصين ، هدفها إثنين ، لا ثالث لهما، (معيشة المواطن) ، و(التجهيز للإنتخابات) ، حتى نضمن فترة إنتقالية محايدة، توصلنا لحكومة مدنية شرعية، ومجلس تشريعي منتخب، كل ما يقرره يرضى به الشعب السوداني ) لأنه هو الذي صنع (المجلس التشريعي) بإرادة سودانية حرة لا بإرادة السفارات َوالمنظمات.
والله المعين
لواء شرطة م
عثمان صديق البدوي
10 ديسمبر 2022