(على كل) .. محمد عبدالقادر يكتب: ادركوا الشرطة .. فقد انكشف المستور..!!
أشفق على حال الشرطة السودانية واهداف المجرمين تلج مرماها بسهولة ويسر دون ( حول لها ولاقوة) فى الردع والمنع وبلا أدني قدرة على كشف طلاسم الجرائم التى باتت تقع على مدار اليوم وتقيد للاسف ضد مجهول ..
كنا فى السابق نفاخر بسمعة وقدرة شرطتنا على الوصول الى اي مجرم، ومهما كانت تعقيدات ما اقترف، فقد كانت تلقي القبض عليه خلال ساعات وان اتقن ارتكاب الجريمة ، واعمل كل جهده فى اخفاء المعالم وسد الثغرات التى تمكن يد العدالة من الوصول اليه بعد لحظات من وقوع الحادثة.
ولكنا نتحسراليوم والشرطة تتفرج مثلها والمواطن تماما ، والابغون المجرمون يتفننون فى ازهاق ارواح الناس والسطو على أرواحهم ومقدراتهم بجراة و( قوة عين) واطمئنان الي ان يد الشرطة مغلولة وامكاناتها عاجزة عن الوصول اليهم وقديما قيل ان (من أمن العقاب اساء الادب).
كانت سرعة الشرطة بمباحثها التى تستند على ارث باذخ وماض تليد فى الكشف عن الجرائم تقف سدا منيعا امام اية محاولة لازهاق ارواح الناس والسطو على مقدراتهم، وممتلكاتهم، احتفظت الشرطة بسيرة ناصعة وهي تجيب (خلال ساعات) على اصعب الاسئلة فى جرائم ارتكبها عتاة الجناة ببراعة وتكنيك عال فى التنفيذ اوصد جميع الابواب التى بالامكان ان تقود الىهم ، لكن الشرطة كانت حاضرة وهي تفك الطلاسم وتقنع الراي العام بانها الحارس الامين والجهاز المؤتمن على حياة الناس، هذا الامر لم يعد موجودا اليوم والقتلة والسارقون ينفذون جرائمهم ب( دم بارد) ويسرحون ويمرحون ثقة فى حالة توهان لم تجعل الشرطة حاضرة فى الزمان والمكان المناسبين مثلما كانت.. للاسف باتت حتى الشوارع مسرحا للجرائم التى تقع فى جهارا نهارا وفى وضح النهار..
مازالت طلاسم جريمة (اسرة بري) عصية على التفكيك وغيرها من القضايا الاخرى التى ملات الدنيا وشغلت الناس، مازلت اتذكر كيف كنا نفاخر بشرطتنا فى اكبر القضايا، (اديبة، شقة بحري، عمارة الدهب)، وغيرها من الجرائم التى وقعت فى ظروف وملابسات وتبكنيك اخطر واعلى مما يحدث اليوم بكثير…
للأسف تبدل الحال، فقد نزفت الشرطة من الكوادر ذات الصلة بعمل المباحث والتحريات والجنايات ما ادخل جسدها غرفة الانعاش وجعلها تجوس بلا وعي فى القضايا دون ان يكون لمنتسبيها العاملين فى تخصصات فنية نادرة الخبرة الكافية للكشف عن الجرائم والقبض على الجناة..
حتى طريقة الشرطة فى التعامل مع الراي العام فى الجرائم الخطرة اختلفت ولم تعد سباقة فى تمليك المعلومات ( على قدر الحاجة) التى تطمئن الراي العام فى الجرائم الكبيرة دون ان تؤثر على سير التحريات ، (فى قضية اسرة بري) تحسرت على التعامل الاعلامي من قبل الشرطة التى خلف غيابها فراغات عباتها الشائعات وملأتها برغبات ذوي المصالح والغرض فجنحوا بالقضية الى انفاق عقدت من حيثياتها كثيرا ، واحدثت هلعا نسف الاستقرار النفسي للاسر السودانية ..
كوادر مهمة ومؤثرة فقدتها الشرطة خلال مجازر الفصل والاقصاء التى تعرضت لها فى السنوات الاخيرة، لم يفرق من بيده القلم بين من انفقت عليهم البلاد من كوادرها للتدريب فى شؤون المباحث والتحري وتكنيك الكشف عز الجرائم وبين عاطلي الموهبة وعديمي العطاء، فاعمل شطبا ورفتا فى اسماء كان مجرد وجودها فى الشرطة كافيا لجعل المجرم يتردد مليون مرة وهو يقبل على تنفيذ الجريمة..
مازلنا نتحسر على اسماء اشهد الله انني لم التق بكثيرين منهم فى حياتي ولكن من واقع ادائها فى عدد من الجرائم والملفات وسمعتها الطيبة التى تتردد هذه الايام لانه ( وفى الليلة الظلماء يفتقد البدر) شعرت اننا فقدناها دون سبب مقنع وبسبب موازنات وظنون سياسية اضاعت وجودها فخلا الملعب لاصحاب الغرض ، وكثرت جرائم القتل والسرقات واصبحت عاصمتنا غابة لا تامن فيها على نفسك ولاابنائك ولا ممتلكاتك.
اين ذهبت كفاءات شرطية ذات كسب وتاريخ ورصيد ، اجادت الصنعة فحفظ المجد اسمائها فى ملفاته العزيزة، ترى ماذا فعلت الايام بالفريق عبدالعزيز حسين عوض رجل المباحث القوى ومديرها السابق بولاية الخرطوم، كان هذا الرجل جيشا عرمرما يقوم بمهام ( العسكري النفر) وهو فريق ترصع اكتافه النجوم اللامعة فبرع فى الكشف عن اخطر الجرائم ، اين ذهب الفريق ياسر البلال مدير الجنايات العارف لفنونها والحاذق لاصولها وتكتيكاتها، رجل الشرطة المرعب وفارسها الشاطر ، واين اسماء من طراز اللواء (م ) على محمد عثمان مدير شرطة محلية الخرطوم، صاحب التجليات والانجازات التى ترقي لمرحلة الكرامات فى القبض على الجناة ،ومن الذين منحوا الشرطة عمرهم وافاض فى حبها حتى شرب اصولها وبات مجرد ترديد اسمه مانعا للجريمة، بل اين العميد (م) الفارس بابكر الاسيد الذى كان يشغل الدائرة القانونية فى ولاية الخرطوم واين هو اللواء (م) الدكتور حسن التيجاني الذى خبر دروب الاعلام وبرع فى العمل الجنائي فانتج معادلة تزاوج بين التخصصين جعلته كفاءة نادرة منحت المواطن عطاء بلاحدود واين واين؟!!.. اسماء كثيرة افتقدتها الشرطة لاسباب مازالت خافية عن الناس وقد كانت ملء السمع والبصر.
فليسأل السيد مدير السرطة نفسه عن هذه الاسماء وغيرها ممن خبرتهم ملفات الكشف عن الجرائم، اين هم الان؟!، ومن الذى ابعدهم حتى يكون المواطن فريسة سهلة للمجرمين.
لا اعتقد ان هنالك دولة عاقلة يمكن ان تتعامل بهذا الجنون وتفصل اشطر كوادر الكشف عن الجرائم ممن تخصصوا فى الوصول الى القتلة وقضوا اعمارهم بين التحقيقات والتحريات و العمل الجنائي والدورات داخليا وخارجيا، واجابوا على التساؤلات الصعبة فى اية جريمة، ولماذا تهدر بلادنا مواردها بهذه السهولة وهي تفصل عن العمل رجال شرطة اهلتهم ودربتهم من جيب المواطن المطحون المغلوب على امره، وكيف ترتضي ان تفرط بهذه السهولة فى من تشربوا اصول صنعة ليست مثل بقية المهن.
فنون التحري و التحقيق واعمال المباحث والجنايات لا يكتسبها الشرطي بين عشية وضحاها، ولكنها خلاصات لدراسات وتجارب ودربة لا تتاتى الا للموهوبين النابغين الذين خبروا دروب العمل الشرطي لسنوات طويلة ، فاين ذهب هؤلاء الان وقد كنا ندخرهم ليس لكشف طلاسم الجرائم فحسب وانما دربناهم واعددناهم حتى يفرخوا كذلك اجيالا تحمل امتداداتهم ومواهبهم وطرائقهم وتورث الحرفة الى غيرهم فتحتفظ الشرطة بقدرتها الضاربة وارثها التليد فى الكشف عن الجريمة وتقديم كل من تسول له نفسه التلاعب بارواح الناس الى منصات العدالة..
عار على الشرطة السودانية بكل تاريخها ان تفشل فى الوصول حتى اليوم الى الجناة فى (قضية بري)، وعار عليها ان تصبح الخرطوم بكل ماضيها الامن ضيعة يسرح فيها القتلة واللصوص وهي وادعة ومسكينة (لا تهش ولاتنش) والسبب ان شرطتنا نزفت كوادرها الخطيرة وفقدت خيرة ابنائها فى ملفات الفصل والغبينة، والاعيب التوازنات التى افقدت جهازا بكل هذه الاهمية فى حياة الناس كفاءته وفاعليته وقدرته على حماية المجتمع.
مازلنا نناشد سعادة الفريق اول عنان حامد مدير الشرطة ان يعيد لهذا الجهاز هيبته بمراجعة كشوفات المفصولين واستسماحهم للعودة ان وافقوا على ذلك بعد ان (ضربهم همبريب) الحياة المدنية ، ووجدوا فى السوق والعمل الحر ( قدح النبي) مبتغاهم فى توفير حياة كريمة لهم ولاسرهم، نعم كسبوا هم .. ولكن خسر الشعب السوداني وجودهم فى مفاصل حساسة ومواقع مهمة وهم الاكثر تاهيلا فى مجال الكشف عن الجرائم.
نكتب ذلك وقد امرت المحكمة بارجاع اعداد كبيرة منهم فصلتها لجنة ازالة التمكين.. مايحدث الان عار على الشرطة وهي تفشل فى توفير الامن وتعجز بعد ذلك عن كشف الجرائم، الشرطة ليست حملات مرورية تقطع الطريق امام المواطنين، ولاهي نقاط لتحصيل الاموال فى نوافذ الخدمات الباردة ، العمل الشرطي منظومة ادوار متكاملة ومتناغمة تؤمن المواطن وتحقق استقراره النفسي وتحاصر القتلة والسارقين وتلقي القبض على المجرمين، اعيدوا الكوادر التى نزفتها الشرطة بلا اسباب ان كنتم تريدون وطنا امنا وشرطة فاعلة، فلقد انكشف المستور وفقدنا بدورا فى ليالينا التى باتت كالحة بافعال المجرمين..