قبيل أيام قلائل كنت رفقة عدد من الزملاء وفي طريق اوبتنا من عمل صحفي وبعد ان انزلنا زميلة مررنا بشارع وطريق معروف كان والى وقت قريب يعج بالمواطنين لجهة تقديمه خدمة لهم ورغم انقضائها وتحويلها لكنه خلفة حراكا طفيفا، ورغم ان المكان يقع في الطريق العام إلا ان ما سمعته ودفعني للمتابعة والتأكد ارعبني. وتساءلت جهرا وسرا ايعقل ان يصل الأمر إلى هذا الحد من الفوضى ويتحول الداء لسلعة تباع في سوق الله أكبر وعلى عينك يا رقابة ومارة؟!
وكان ان لفتتني الرفقة لبيع المخدرات في هذا المكان، وانه معروف لدى الكثيرين وربما لدى الجهات المعنية بمكافحة المخدرات، ويرتاده المتعاطون بطريقة عادية.
تفحصت المكان الذي لم يكن بحاجة لتدقيق أو ارسال النظر بعيدا وقد لاحت مجموعات منتشرة هنا وهناك على حافة الطريق وأخرى الى الداخل قليلا لكنها واضحة، فمن الواضح ان التجار لا يلقون بالا لأحد واكاد اجزم انني شاهدت مبايعة تجري وشابان يقفان الى جوار احدهم وهو يجتهد في إخراج شيء ماء في مكان مظلم.
وبعد ان توارى المكان تناقشنا كثيرا حول القضية التي بلغت من الخطورة مبلغا عظيما.
أمس وانا عائدة من مشوار رفقة ابني طالب الجامعة مررنا بذات الطريق نهارا وتداعت الصورة والقضية المرعبة الى مخيلتي مجددا ولأن يومها اتجهت مخاوفي وتفكيري نحو ابنائي جميعا بما فيه طالب المتوسط (كيف لا والأخبار تنذرتا بأن التعاطى وصل طلاب الأساس والمتوسط) لأن ذلك كذلك حاولت اختباره دون لفت نظره ونجحت تماما عندما علقت بأن ( بالله المحل دا لسه فيه حركة) فالقمنى حجرا برده:( يا حاجة المحل دا بتاع بيع مخدرات) تمكنت من رباطة جأشي و(عملت رايحة) وسألته بدهشة: كيف الكلام دا؟! فرد: عدييل كدا. ثم طفق يحكي: قبل كدا جينا بهناك. واشر بيده لطريق داخلى محازي لطريقنا الرئسي قبل ان يكمل: في واحد نادانا تعالوا تعالوا بهنا ما تخافوا. ودون ان احتاج لسؤاله عن ردة فعله اطلعني انهم ضحكوا واكملوا طريقهم وعرفت ان ذلك منتصف الظهيرة. لم احتج أو اجرؤ على تحذيره اولا وفي القلب توجس، ثانيا لخشيتي وربما خشية الكثيرين من التحذير الذي ربما يفضي لتنبيه، ونكتفي بالمتابعة اللصيقة ومن ثم استوداعهم المولى عز وجل.
هذا قليل من كثير ونموذج لسوق رائج ربما مثله كثير في ولاية الخرطوم وبقية الولايات في ظل تمدد تجارة المخدرات التي استقوت على الأجهزة الأمنية وتحدتها بكافة انواع الاحتيال في إدخالها وترويجها ولا غرو في ذلك وشهوة كنز المال الوفير من ريعها تعمى تجارها من تدميرهم للمجتمع الذي بين ظهرانيه ابناءهم وإخوانهم وابناءهم وبناتهم.
قضية المخدرات باتت مهدد أمنى كبير وأخبارها تترى بشكل يومي، ومعها نفتقد يوميا عشرات الأبناء من كافة المستويات العمرية ممن ذهبت عقولهم ربما بلا رجعة وأصناف المخدرات المستحدثة يشيب من هول توصيف تأثيراتها الولدان، والأنكأ انها متاحة في اي زمان ومكان فقط تعد لها الأثمان. وما ادراك ما الأثمان وإعدادها المفضي لتناسل قضايا اخلاقية كثيرة هتكت النسيج الإجتناعي بشكل صارخ.
كون المخدرات تباع بهكذا طريقة يقدح في أداء عمل الأجهزة الأمنية، نعلم انها تعمل في المجال بدليل الضبطيات اليومية صغيرها وعظيمها الذي يحتاج منهم تكتيك ومراقبة لكن برأيي انها تحتاج لأن تسخر كل إمكانياتها للبحث والتقصي عن اماكن بيعها التي لا تحتاج لكثير عناء. واذكر قبيل فترة كانت هناك حملات لاماكن تحلق الشباب حول بائعات الشاي مستهدفين تجمعات بعينها. بيد. انها تجرى كل فترة بينما المطلوبات ان تكون لعدة مرات في اليوم، ولا اذيعكم سرا ان قلت ان هناك حديث عن ان الأجهزة النظامية تعلم بمجريات المكان الذي ذكرت وتغض عنه الطرف( على ذمة رواة كثر).
القضية باتت أكبر من ان تتحملها الأجهزة الأمنية ولابد من تضافر جهود منظمات المجتمع المدني التي بات نشاطها ضعيفا في المجال، وكذا على الأسر التي بات من الضرورة متابعة ابناءها وسلوكهم متابعة لصيقة يكفي فقط اطلاعهم علي تأثيرات التعاطي المتوفرة في النت وغيره حتى يسهل ويتبين لهم الأمر، وكذا على الاعلام دور عظيم في التوعية والطرق المستمر والزيارات الميدانية.
ثم يا ترى أين وزارتي التنمية الاجتماعية والشباب والرياضة مما يجرى في المجتمع ويقع على الشباب؟ فالأولى لا نسمع لها خبر ولا حس في اي مما يلى المجتمع وقضاياه الإنسانية ( على قفا من يشيل) ولم تبشرنا بإنجاز واحد بالقضاء على كذا أو مكافحة كذا أو دعم كذا. وكذا الحال بالنسبة للثانية فلا مناشط شبابية تستوعب طاقاتهم ولا برامج ثقافية أو اي مما يليها تجاه الشباب الذي اختطفه الادمان.
نعود ونشدد على دور الجهات الرسمية بدء من مجلس السيادة وليس انتهاء بالأفراد النظامية والأهم سد الثغور التي تتدفق عبرها المخدرات.
نسيت ان انوه في شكت الأجهزة النظامية فيما ذكرت فالتهاتفني لادلها على المكان.