مصر والسودان،عبر الحِقَب والأزمان !! (٢/٢) .. محجوب فضل بدري
– – العلاقات السودانية المصرية فيها كل الجوانب السياسية والإقتصادية والعسكرية والأمنية والإجتماعية والثقافية ،فی الحقب التی تعاقبت علی حكم السودان بعد ما نال (السودان الإنجليزی المصری) إستقلاله،من دولتی الإستعمار (إنجلترا ومصر) فقد نالت مصر موقعاً متقدماً فی نفوس قادة الحكم السودانيين الوطنيين،بالرغم من انها كانت دولة إستعمار بل ونادت بالملك فاروق (ملك مصر والسودان)!!وتنزيهاً لمصر من تهمة الإستعمار،فهم يسمون الحقبة الإستعمارية التی قضت عليها الثورة المهدية ب(التركية السابقة) ولا ينسبونها لمصر ولا المصريين، ويسمون فترة الحكم الثناٸی بعد سقوط المهدية،(الإستعمار الإنجليزی) مع أن مصر كانت شريكة فی الإستعمار،وعلمها يرفرف جنباً إلی جنب مع العلم البريطانی!!وذلك إنهم كانوا يرون فيها دولة جارة،وهی نفسها كانت تقع تحت نير الإستعمار الإنجليزی،وقبل الانجليز الأتراك،وقبل الأتراك الفرنسيين،،وهلمجرا،وبين مصر والسودان (روابط أزلية) شكَّلتها الجغرافيا والنيل واللغة والثقافة والدين والمصاهرة۔وبالمقابل وضعت مصر (الملف السودانی) تحت مسٶولية (المخابرات العامة المصرية) بدلاً من وضعه فی مكانه الطبيعی بوزارة الخارجية شأنها شأن أی دولة لها تمثيل دبلوماسی فی مصر !!
-وفی الحقبة المايوية(النميری) قامت وحدة ميثاق طرابلس،أو كادت،،(ناصر-نميری-قذافی) ولما حالت التدخلات والمقاطعات الإقليمية والدولية دون تحقيق ذلك الهدف النبيل،ثمَّ (مات عبد الناصر)وبكاه الشعب السودانی،وذرف النميری الدموع فی تشييعه،وقام التكامل السودانی المصری (السادات -النميری) وحدة وادی النيل،وأُنشٸت مٶسسات لمستويات معينة من الحكم،وأُخری إقتصادية،وتجارية،وصدرت بطاقات للمواطنين، وبعد إغتيال السادات إضمحلت الفكرة وفتر الحماس حتی انزوی ثم ماتت الوحدة،(بموت السادات)،ويُذكر إن النميری شارك بصوته فی انتخاب الرٸيس محمد حسنی مبارك،خلفاً للسادات،،ولا يعنی هذا ان وحدة وادی النيل مرتبطة بزعماء بعينهم ،لكن هكذا الأقدار فالناس فی مصر والسودان فی قرارة أنفسهم يتوقون للوحدة،ويشاء الله غير ذلك،كل هذا الذی أسلفنا يقع فی الجانب السياسی۔
-ولا يجوز الحديث عن الجانب الإقتصادی،دون أن نبدأ بالمياه،وهی أمر وجودی بالنسبة لمصر التی تعتمد كلياً علی مياه النيل الذی هو ماء الحياة لمصر (هبة النيل) لذا فالحديث عن مياه النيل يتشابك فيه الأمنی بالإقتصادی،والسياسی بالدبلوماسی،والأخلاقی بالدينی، (فالناس شركاء فی ثلاثة) والماء أول الثلاثة،لذا فإن مصر والسودان يرتبطان إرتباطاً أزلياً بالنيل وهما كالتوأم السيامی الملتصقان فی كل الأعضاء الحيوية،فلا يمكن فصلهما البتة فإمَّا يعيشا معاً، أو أن يموتا معاً، (وهذا ما يسمی بالمصير المشترك)!! ولنتجاوز مياه النيل قليلاً،ولنترك اتفاقيات مياه النيل وما اعتراها من ظلامات تاريخية أثارتها دول الحوض،واختار السودان تلقاٸياً الوقوف إلی جانب مصر،فی مواجهة بقية دول الحوض الثمانية،والتحديات التی نشأت بقيام سد النهضة الأثيوبية،وموقف السودان المتماهی مع موقف مصر إستشعاراً للمسٶولية التاريخية والمصير المشترك بينهما،نتجاوز مسألة المياه الشاٸكة،الی بقية المناشط الإقتصادية التی تشمل صادرات السودان الی مصر من اللحوم والسمسم والصمغ والقطن وحب البطيخ والكثير من المنتجات الزراعية والجلود،بخلاف إتجاه السودانيين كافةً إلی مصر بغرض السياحة والعلاج والتجارة، وتلقی العلم فی ََجامعاتها، وشراء العقارات والإقامة فيها،ويعنی ذلك ضخ الكثير من ملايين الدولارات فی الإقتصاد المصری،وبالمقابل فإن السودان يستورد من مصر الكثير من الاقمشة والأحذية والأدوية ومواد البناء من اسمنت وسيراميك وغير ذلك،
-أمَّا الجوانب الثقافية بين مصر والسودان فأعظم من أن توصف فی سطور فمصر ظلت من أكبر مناهل العلم والثقافة للسودان فمنذ الأزل كان السودانيون يتلقون العلم من جامعة الأزهر وعلماء مصر وفی مصر ومن مصر جاء المثقفون الأُول الی السودان،مثلما تدفق طلاب العلم من السودانيين إلی مصر، وزادت الوساٸل الحديثة من زيادة الإرتباط بين شطری الوادی فساهمت الكتب المطبوعة،والصحف والمجلات،وبقية المطبوعات،والإذاعة والتلفزيون والسينما ،قبل ثورة الإتصالات،التی جاءت لتجعل المعلومة متاحة بلمسة زر،علی جهاز محمول باليد،ولم تعد هناك أهمية كبيرة لإذاعة ركن السودان من القاهرة،والتی لعبت دوراً محورياً فی شد أواصر طرفی الوادی الی بعضها،وكان لمدارس البعثة التعليمية المصرية،ثمَّ جامعة القاهرة فرع الخرطوم،التی كانت منارات للتربية والتعليم،هذا غير السودانيين الذين تلقوا علومهم من المٶسسات التعليمية بمصر،وتقلدوا مناصب رفيعة فی السودان،ووجدانهم مرتبط بمصر۔
-رهن السودان الكثير من مواقفه بمصر مثل الحرب مع اسراٸيل،ومشاركة الجيش السودانی فی جبهة القتال،والسماح للطيران الحربی المصری بإستخدام القواعد والمطارات السودانية،إبَّان النكسة،وما بعدها،ووقف السودان مع مصر عند قيام جبهة الصمود والتصدي وهي جبهة أو حلف ضم كل من ليبيا، وسوريا، والعراق، والجزائر، ومنظمة التحرير الفلسطينية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية. أُسست في نوفمبر 1977 بناء على دعوة الزعيم الليبي معمر القذافي للوقوف ضد المخططات الإسرائيلية في المنطقة، في أعقاب إعلان الرئيس المصري محمد أنور السادات في 9 نوفمبر 1977 أمام مجلس الشعب المصري استعداده للتوجه إلى إسرائيل. ودفع السودان ثمناً باهظاً جراء وقوفه الی جانب مصر،
– ودور مصر فی الوقوف الی جانب السودان،كبير ،ومتعدد الوجوه والإشكال،وعلی مختلف الحِقَب فی البلدين،ولعل خير مثال هو المبادرة المصرية الأخيرة لحلحلة الإشكالات بين النخب السياسية السودانية،وبعد ما عُرف بالإتفاق الإطاری،،ونقاش ذلك يحتاج لموضوع منفصل،،
ونخلص الی القول بأنّ العلاقة بين مصر والسودان يحتاج لأسفار وأسفار،لكننا نعوِّل علی الوجدان السليم لدی شعبی وادی النيل ليدرك بوجدانه السليم انه لا فكاك للشعبين من بعضهما غضَّ النظر عن النظام القاٸم هنا أو هناك۔