(صهيل الخيل) .. د. عبدالمجيد عبدالرحمن أبوماجدة .. الجنرال البرهان تصريحات متضاربة وإستمرار حالة التوهان*
منذ أول ظهور له في باحة القيادة العامة لقوات الشعب المسلحة في ساحة الاعتصام ومعه إبراهيم الشيخ وهما يتعانقان عناقاً مطولاً وكأنها تدل على رمزية الانتصار للثورة الشعب السوداني .
كانت صورته وهيئته الراسخة في ذاكرة الشعب السوداني و بانواطه ونياشينه توحيّ بانّ هذا الجنرال هو رجل الثورة الأول والداعم الحقيقي لها وللشعب السوداني الصابر .
لكن بمرور الوقت “تبرهن” تماماً بانّ الجنرال البرهان اثبت عكس كل التصورات والتوقعات وفي كل مرة تكشفه وتفضحه تصريحاته واحاديثه المتضاربة هنا وهناك والمخبوءة خلف عقله الباطني .
يظهر ذلك جلياً في كل محفل ويتبين بجلاء بأنّ الجنرال البرهان رجل متردد كثيراً في اتخاذ ايّ قرار وبالتالي نجد هناك عدم إتساق بين أقواله وأفعاله و في تصريحاته التي ظل على الدوام يطلقها في الهواء الطلق كلما وجد حشداً جماهيرياً كبيراً انبرى للحديث عن قوات الدعم السريع ودمجها في القوات المسلحة .
هناك مثلاً قديماً يقول :
“إنّ المرء مخبوءٌ خلف لسانه”
“2”
إنّ الكثير من تصريحات هذا الرجل
” تدل بانه رجلٌ متردد ومغامر ولا يستطيع ان يتخذ قراراً واحداً صائباً يصب في مصلحة البلاد والعباد منذ انقلابه الذي ادخل به البلاد في صراعات واحتقان سياسي لأكثر من سنتين .
إنّ أول إجراء اتخذه الجنرال البرهان في الخامس والعشرين من اكتوبر من العام قبل الماضي 2021م عندما قام بتعطيل الدستور وحل اول حكومة مدنية وهي تمثل الحكومة الشرعية للثورة السودانية الشعبية الباذخة ، كما انه عمد لتعطيل بعض البنود في الوثيقة الدستورية واعلن حالة الطواريء في كل ارجاء السودان .
إنّ هذه الاجراءات التي اتخذها الجنرال البرهان ادخلت البلاد في متاهة ودوامة واصبحت تدور في حلقة “حلزونية” مفرغة واغرق البلاد في فراغ دستوري وامني كبيرين لم تتعافى منه حتى اليوم .
إنّ هذه القرارات غير المدروسة التي قام بها الجنرال البرهان ادخل فيها الشعب السوداني والبلاد في ظروف “امنية وسياسية واقتصادية” قاسية و بالغة التعقيد
ما زالت آثارها وتأثيراتها باقية حتى الآن .
” 3″
إنّ الإجراءات التي قام به الجنرال البرهان في الخامس من يوليو من العام الماضي 2022م والتي أعلن فيها خروج المؤسسة العسكرية من العمل السياسي وترك الأمر لإتفاق القوى السياسية والاحزاب ومنظمات المجتمع المدني الاخرى ، وانتقال السلطة للمدنيين عبر تشكيل حكومة مدنية كاملة الدسم .
فلم تمضي إلاّ أشهراً معدودة حتى جدد الجنرال البرهان ذات الالتزام والتعهد .
و في الخامس من ديسمبر 2022م من العام المنصرم خلال مخاطبته حفل التوقيع على الاتفاق السياسي الإطاري بين المكون العسكري ومجموعة من التنظيمات السياسية والمدنية وقد اتسمت تصريحاته منذ تلك اللحظة بعدم الوضوح بحيث ترك الجنرال الباب مؤارباً للخروج عن هذا الالتزام في ايّ وقت ووضح ذلك من خلال ترديده لعبارات مثل : “توسعة المشاركة والوفاق الشامل ومشاركة الجميع وغيرها” من التصريحات .
فقد ظهر مؤخراً وفي ظاهرة جديدة في خطابات جنرالات الجيش وهم يدعون الي مسألة “دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة” مع العلم بانّ واقع الحال يؤكد بانّ هذه القوات تعتبر جزءاً أصيلاً من القوات المسلحة وذلك بنص القانون الذي أُنشئت به قوات الدعم السريع واكدت على ذلك كل الوثائق الدستورية على سبيل المثال :
قانون الدعم السريع لسنة 2017م نص على :
“أنّ قوات الدعم السريع هي قوات عسكرية قومية التكوين تعمل تحت إمرة القائد العام وتهدف لإعلاء قيم الولاء لله والوطن وتتقيد بالمبادئ العامة للقوات المسلحة السودانية” كما نص القانون على انْ يعين رئيس الجمهورية قائد قوات الدعم السريع .
إنّ قوات الدعم السريع تم إنشاؤها بموجب قانون قوات الدعم السريع الذي أجازه المجلس الوطني في جلسته المحضورة بالرقم *43* من دورة الانعقاد الرابعة في يوم 18 يناير من العام 2017م .
إنّ الوثيقة الدستورية التي صدرت في العام 2019م نصت صراحةً بأنّ القوات المسلحة وقوات الدعم السريع مؤسسة عسكرية وطنية حامية لوحدة الوطن ولسيادته تتبع للقائد العام للقوات المسلحة وخاضعة للسلطة السيادية .
“4 ”
ينظم قانون القوات المسلحة وقانون قوات الدعم السريع علاقة المؤسسة العسكرية بالسلطة التنفيذية .
إنّ الاتفاق السياسي الإطاري نص صراحة ً على أنّ قوات الدعم السريع قوات عسكرية تتبع للقوات المسلحة ويحدد القانون اهدافها ومهامها ويكون رأس الدولة قائداً أعلى لها .
إنّ من ضمن خطة الإصلاح الأمني والعسكري الإستراتيجي الذي يقود الى جيش مهني قومي واحد موحد ذو عقيدة عسكرية واحدة بعيداً عن أي ايديولوجية او انتماء سياسي او حزبي . يتم دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة وفق الجداول الزمنية المتفق عليها مسبقاً .
“5 ”
إنّ كل هذه الوثائق والقوانيين قد قننت وضعية قوات الدعم السريع قانوناً
إذاً : إنّ قوات الدعم السريع تتبع للقائد العام للقوات المسلحة فيما يقوم رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة وهو رأس الدولة بتعيين قائدها .
إنّ الجنرال البرهان وجد نفسه في هذا الموقف الذي لا يحسد عليه وبدأ يطلق التصريحات المتضاربة على الهواء وفي القنوات يتناولها رواد الاسافير و”السوشل ميديا” هذه التصريحات المتناقضة خلقت جدلاً قانونياً ودستورياً كثيفاً هذه الايام مع العلم بأنّ الجنرال البرهان هو على قمة هرم الدولة السودانية وهو رئيس المجلس السيادي الإنتقالي ويعلم يقيناً وضعية قوات الدعم السريع بعد الاتفاق السياسي الإطاري .
إنّ ما تسربت من معلومات التعديل و واعادة هيكلة القوات المسلحة والرجوع للعمل بنظام القائد العام وإلغاء نظام هيئة الأركان المشتركة ما هي إلاّ محاولة يائسة حول وضعية قوات الدعم السريع وهضمها و التي أصبحت الآن واقعاً يصعب تجاوزها في المعادلة العسكرية والامنية والإستراتيجية والسياسية .
لذلك غير مستغرب بان تاتي مثل هذه التصريحات المتضاربة من الجنرال البرهان المسنودة من بعض الجهات الاقليمية ودول الجوار الإقليمي في محاولة يائسة من صناعة وخلق أزمات سياسية وامنية لضرب الاتفاق السياسي الإطاري في مقتل .
“6 ”
ظل الجنرال عبدالفتاح البرهان يوزع تصريحاته ولقاءاته التلفزيونية يتحدث بكثرة هذه الايام عن قوات الدعم السريع ودمجها في القوات المسلحة وهذا الامر منصوصاً عليه في كثير من الوثائق والقوانيين .
إنّ الجنرال البرهان عندما قام بانقلابه العسكري في الخامس والعشرين من شهر إكتوبر من العام قبل الماضي 2021م وقام بحل الحكومة المدنية وبهذا قطع الطريق اما تقدم ونهضة السودان وبهذه الاجراءات الانقلابية التي اتخذها الجنرال البرهان فقد السودان وشعبه الدعم والسند المادي والمعنوي الذي تقدمه الأسرة الإقليمية والدولية .
إنّ انقلاب الجنرال البرهان قد خصم كثيراً من الدولة السودانية سياسياً واقتصادياً وامنياً ودبلوماسياً ، كما انه إثرّ تأثيراً مباشراً على الاوضاع الاقتصادية وانهك كاهل الشعب السوداني .
إنّ هذا الانقلاب المشؤوم ما زال الشعب السوداني يدفع فواتيره الباهظة واوقف معه كذلك احراز اي تقدم في شتى مناحي الحياة السودانية .
إنّ انقلاب الجنرال البرهان جعل المؤسسات الإقليمية والدولية تعلق عضوية السودان خاصة الاتحاد الأفريقي والذي يعتبر السودان من المؤسسين الاساسين له منذ أن كان يسمى منظمة الوحدة الافريقية .
إنّ قرارات الجنرال البرهان الإنقلابية جعلت المجتمع الدولي والصناديق الداعمة للسودان والتحول الديمقراطي الانتقالي ان تحجب كل الدعومات عن السودان .
بسبب هذا الانقلاب فقد فقد الشعب السوداني دعماً دولياً يقدر بمليارات الدولارات تم ايقافها تماماً بسبب هذا الانقلاب .
إنّ مشروع الدعم المجتمعي الذي تقدمه الأمم المتحدة “ثمرات” توقف هو الآخر تماماً وبالتالي فقد حرم الجنرال البرهان ملايين من افراد الشعب السوداني من هذا الدعم الذي كان يخفف كثيراً من معاناة الشعب السوداني .
Abdulmajeedaboh@gmail.com
كاتب وباحث سوداني