اين حكماء السودان ؟. بقلم محمد النور المبارك
ًقيل ان اﻹنجليز عندما قرروا منح السودان إستقلاله وبدأت مرحلة سحب قواتهم .. كان أحد خبرائهم من اﻹداريين بسرايا الحاكم العام جالسا علي كرسيه خارج مكتبه فخطرت له فكرة فنهض من الكرسيه وسحب برنيطته (الكاب) من رأسه ووضعها فوق أعلي نافذة من نوافذ القصر ثم عاد وجلس علي الكرسي ثم نادى مجموعة من الموظفيين والعمال السودانيين المتواجدين داخل سرايا الحاكم العام وقال لهم (هناك جائزة فوق البرنيطة او الطاقية في أعلي النافذة والجائزة لمن يستطيع الوصول إليها) تدافع السودانيون وكل واحد منهم يطمع في الفوز بالجائزة..
كان التنافس بينهم محتدما.. والرجل اﻹنجليزي يراقبهم،.. وقد لاحظ أنه كلما صعد او إقترب واحد منهم من البرنيطة (الكاب) امسك البقية برجليه وسحبوه إلى اﻷرض ومنعوه من الوصول للهدف..
تكرر المشهد طوال مايزيد عن الساعة، بعدها اوقفهم الرجل اﻹنجليزي منهيا تنافسهم.. ثم صعد وتناول البرنيطة (الكاب) بعصاته… ثم التفت اليهم قائلا :- (أنظروا ليس هناك جائزة وإنما إختبار لكم للاسف فشلتم فيه…)
ودعوني أقول لكم نحن سنسلمكم بلدكم ونذهب ولكنكم لن تنجحوا في إدارة بلدكم والدليل فشلكم في هذا اﻹختبار البسيط..
اتعرفون لماذا؟؟!! ﻷنكم تتعاونون علي تعطيل بعضكم ولا تتعاونون على مساعدة بعضكم …
بالفعل تم استقلال السودان وخرج الانجليز من السودان منذ العام 1956 وتم تشكيل عدة حكومات من لدن حكومة الازهري حيث شهد العهد الوطني الأول في الفترة من يناير١٩٥٤ وحتي١٧ نوفمبر ١٩٨٥ تكوين (5) حكومات في فترة الحكم العسكري الأول برئاسة الفريق/ أبراهيم عبود التي امتدت من يوم ١٧/نوفمبر١٩٥٨ وحتي ٢١/اكتوبر١٩٦٤ فقد تكونت حكومتان بتعديل وزاري واحد، حيث تسجل سيرة الحكومات السودانية مؤشراً إيجابياً لحكومة الفريق / إبراهيم عبود التي كانت أكثر الحكومات الوطنية إستقراراً ولم تشهد إلا تعديلاً وزارياً واحدا،
ثم أعقبت هذه الفترة حكومات اكتوبر التي أمتدت من يوم ٢١/اكتوبر١٩٦٤ وحتي نهاية عام ١٩٦٥، وشهدت البلاد خلال هذه الفترة قيام ثلاث حكومات بتعديلين، خلال عام و في فترة الديمقراطية الثانية التي اعقبت حكومة اكتوبر وانتهت بانقلاب مايو ١٩٦٩ فقد تم تكوين اربع حكومات أئتلاقية تبادل فيها رئاسة الحكومة كل من محمد احمد محجوب والصادق الهدي
في مايو ١٩٦٩، وقع في السودان في الانقلاب العسكري الثاني، بقيادة جعفر النميري، الذي أسند رئاسة الوزراء إلى بابكر عوض الله ١٩٦٩-١٩٧٠، وكان عوض الله محسوباً على حركة القوميين العرب، ثم علق المنصب لعدة سنوات، إلى أن تولاه الرشيد الطاهر بكر، خلال الفترة ١٩٧٦-١٩٧٩، الذي شغل منصب نائب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، ثم ألغى النميري المنصب.) و تكونت خلال سنوات حكم النميري التي استمرت طوال (١٦) عامآ عشر حكومات برئاسته شخصيآ، وجري تعديل حكومي واحد ، إلا ان فترة مايو كانت من أكثر فترات الحكم الوطني استفادة من الكوادر المتخصصة من اصحاب الخبرات واساتذة الجامعات واهل القانون والقيادات ..
تلت هذه الفترة حكومة الانتفاضة برئاسة المشير عبد الرحمن محمد حسن سوار الذهب رئيساً للمجلس العسكري الانتقالي ودكتورالجزولي دفع الله رئيساً للوزراء ولم تشهد هذه الحكومة تعديلات،
في فترة الديمقراطية الثالثة التي أمتدت من ٦/ أبريل ١٩٨٦م وحتي ٣٠ يونيو ١٩٨٩ تم تشكيل (٥) حكومات كلها برئاسة الصادق المهدي
بعدها جاء انقلاب 89 وبدون مقدمات ألغى البشير منصب رئيس الوزراء، ولم يشغله أحد حتى العودة إليه في يوم ٢/ مارس ٢٠١٧ ، وتم تعيين بكري حسن صالح رئيساً للوزارة، إلى جانب منصبه نائباً أول لرئيس الدولة. وبالتالي، كان أول رئيس وزارة يجري اختياره منذ تولي الرئيس البشير مقاليد الحكم
بعد سنة واحدة من رئاسة بكري صالح للوزارة، فاجأ الرئيس البشير المراقبين، وأعلن حل الحكومة وتقليصها، وفصل منصب النائب الأول للرئيس عن منصب رئيس الوزراء. ويوم الأحد ٩/ سبتمبر ٢٠١٨، اختير وزير الري والكهرباء، معتز موسى، رئيساً جديداً للوزراء،في يوم الاحد ٢٤/فبراير ٢٠١٩، أدى محمد طاهر إيلا رئيس الوزراء الجديد قسم اليمين، في الوقت الذي نزل محتجون مجددا إلى الشارع للمطالبة برحيل الرئيس عمر البشير الذي كان قد أعلن حالة الطوارئ في كامل البلاد الي ان تم التغيير في 10ابريل 2019 م واسقاط حكم الانقاذ
وبعد مخاض عسير في التفاوض الذي اثمر الوثيقة الدستورية أعلن رئيس الوزراء السوداني عبد الله عن تشكيل حكومته الاولي و الحكومة الثانية وبعدها قدم استقالته من رئاسة الوزراء السوداني في 2/يناير /2022م عبر خطاب مؤثر وغادر السودان حيث ظل الوضع في السودان دون الحالة الدستورية المتعارف عليها مما اعاق كثير من البرامج والمشروعات و الاشراقات التي بدأت تدر بعضاً من الاموال والانفتاح الخارجي للسودان …
تخيل ان تمر على دولة حوالي 59 حكومة في فترة 73 عام مابين الحكومات العسكرية والمدنية على سودان ما بعد الاستقلال ، و كل هذه الحكومات تفشل في ايجاد قاسم مشترك يجمع شمل السودان او تضع برنامج وطني حقيقي يخرج البلاد من ازماته عبر التقاطعات التي خلفت مشكلات اجتماعية وسياسية واستشرى فيها الجهوية والقبلية في خلال سوء الادارة ، اذ يعيش السودان في تشزم سياسي كبير وتشتت مجتمعي اكبر من خلال فشل النخب حتى يومنا هذا في خلق حوارات سياسية بل تعيش في حالة من التوهان و السجالات حتي بعد التغيير الذي طرا مؤخرا، وفي هذه الفترة المفصلية من تاريخ السودان ، لابد من وضع اللبنات الاساسية لاجراء حوار وطني حقيقي ينطلق من العدالة الاجتماعية و الحل الشامل انطلاقاً نحو التنمية والاعمار والبوابة نحو ذلك هو الاتفاق الاطاري الزي سوف يشكل نواة للحوار السوداني السوداني عبر مجموعة برامج ومشاريع و يكون نفاج نحو الانفتاح الخارجي المتوازن لتآسيس بنية علاقات خاريجية تستند على رؤية دبلوماسية حقيقية وتساهم في فك الخناق الاقتصادي ..
28/2/2023م