أمل أبو القاسم .. (بينما يمضي الوقت) .. (زامر الحي لا يطرب).. واليكم قصة إناس

تماما يجسد المثل واقعنا في السودان وابناؤه يكرمون على يد الغير فيما لم يطال آخرون لا بلح الشام ولا عنب اليمن، وحظ القليل منهم تكريم خجول لأسرته بعد وفاته، ومن كتب له التكريم من مبدعي بلادي فغالبا من شخصيات أو جهات ومؤسسات خاصة.
قلت قولى هذا على خلفية قصص كثيرة متدفقة لشخصيات سودانية فذة تأريخية وحديثة كرمت على أيدي آخرين يعلون من قيمة التكريم ويقدرون قيمة العقول والمواقف الإنسانية. وهذه نماذج لصور مشرفة ضمن كثيرة ضل التكريم الوطني طريقه إليها فتلقفتها ايدي الدول الصديقة.
اليوم تكرم السفارة المصرية الزعيم “محمد حسن خليل” المعروف وقتها بجمهورية مصر ب”ابو الطلبة”، وهو سوداني تناولت سيرته التأريخية ضمن مقال بعنوان ( ابوالطلبة بمصر..سيرة باذخة لزعيم سوداني أهملها التأريخ وتجاوزها التكريم ) وكم كانت باذخة تستحق الإستعراض ويستحق صاحبها التكريم في حياته أو حتى بعد مماته ممثلا على الأقل في أسرته. كيف لا وللرجل إسهامات فاعلة وعظيمة في رتق نسيج العلاقات السياسية والإجتماعية بين شعبي وادي النيل.
كتبت المقال وكلي أمل ان تستدرك حكومتنا سيما وزارة الخارجية التي سهل الزعيم للدبلماسيين قبلها تسيير دراستهم بالقاهرة بتوفير رواتب شهرية تعينهم في إكمال دراستهم والمستعمر وقتها يجثم على الوطن وقد ذكرتهم بالأسماء، فضلا عن آخرين، لكن وكالعهد بهم مرت الرسالة وانسرب التنبيه من بين ايديهم ولم يلتفتوا، فكانت مصر في الموعد ومندوبها يهاتفني بأن سعادة السفير المصري “هاني صلاح” يرغب في تكريم (ابو الطلبة) فبلغى أهله بذلك. وها هو الوعد يتنزل اليوم بتكريم شخصه في أسرته عند الثالثة ظهرا بمباني السفارة.
ليس ذلك فحسب فقد لفتني شيخ الطريقة القادرية “الأمين عمر” لعالم ومخترع سوداني بلغ تكريمه حد إطلاق تسمية شارع بإسمه في دولة الإمارات العربية المتحدة وهو السوداني “محمد عثمان بلولة ” وقد تم تكريمه ضمن افضل (500) شخصية تأثيرا في العالم بعجمان، فضلا عن عدد من التكاريمات من جهات مختلفة. ترى هل يعلم السودان ووزارتا الاتصالات والتعليم العالي عن هذا المخترع شيئا؟!
ودعوني في هذه السانحة وليس ببعيد عن موضوعنا ان اتطرق لقصة طفلة سودانية شغلت الإعلام الخارجي سيما في مصر محل أجريت لها عملية وصفت بالمعجزة والأخطر على مستوى العالم التي ستغير عقلية عمليات العمود الفقري، ومن لدن المصيبة اصبحت إناس وطبيبها الجراح الماهر اختصاصي جراحة العمود الفقري النطاس “هاني عبدالجواد ” اصبحا حديث العالم ومحطات قنوات التلفزة والإعلام كافة دون المرور بالسودان لا إعلامه، ولا وزارة صحته، ولا حتى سفارته بالقاهرة. وقد حدثني متأثرا والد الطفلة الأستاذ “بكري على محمد نور” كيف استنكر مرافقو المرضى عدم تواجد السفارة في هكذا موقف عظيم تداعت له كل وسائل الإعلام منذ الصباح الباكر! وكيف ان سفارة الكويت شكلت حضورا لافتا لعملية أحد مواطنيها رغم بساطتها، ولم أجد كلمات سوى مواساته بأن كله يهون المهم سلامة ابنتنا إناس.
إناس إبنة الثلاثة عشر عاما اصيبت بمشكلة في العمود الفقري ظلت تتفاقم يوم بعد آخر إلى ان انحنى ظهرها بزاوية (45) لتبدو تماما في وضع الركوع، قضت ليال طوال بمشافي الخرطوم إلى ان قيض الله لها اختصاصي العمود الفقري الدكتور هاني عن طريق مراسلات بينه ووالدها حتى كان اليوم الموعود والميمون بأن تجرى العملية بمستشفى الشيخ بالتجمع الخامس أو بالأحرى ثلاث عمليات ( تقويم انحناء، تثبيت عمود، تثبيت الحوض زائد عملية تجميل)
استوى بعدها ظهر إناس. ولم اتمالك نفسي وغالبتني الدموع وانا اطالع مقطع فيديو مدني به لحظة خروج الطبيب وتبشيرهم بنجاح العملية. فقط عليكم بتصور ردة فعل والدتها التي كانت تنتظر بشغف خارج غرفة العمليات، ووالدها وأسرتها داخل وخارج المستشفى وقد عكف الكثيرون بالمساجد والحرم يرفعون أكف الدعاء لإناس.
حدثني والدها من القاهرة ومحطات الإعلام تلاحقه حتى لحظة كتابة المقال كيف انها أيام مرضها كان البعض يصفها بالمعاقة ودعا لرفع هذا الوصف سيما في وجه الحالة رغم ان إناس مرضها عارض وهي من كانت تصد هذا الوصف. كلمني أيضا عن مدى المها وصديقاتها يعاودنها في طريقهن للمدرسة وهي طريحة الفراش إلا انه ومع ذلك تمكنت من انتزاع التفوق وهي على السرير الأبيض بالمشافي.
الآن اناس بفضل الله وفضل الدكتور هاني وجهد والديها ودعواتهم وذويهم واصدقاءهم عادت كما كانت سوية معافاة. قصرت الصحة في حقها كونها لم تلاحقها وتتبع اخبارها وهي تخضع لعملية وصفت بالنادرة بل الأوحد في العالم، ونتمنى ان تجد حظها من التقدير والاهتمام من الدولة والوزارة والإعلام المحلي فهي تستحق ان تدب السعادة في نفسها كما دبت العافية، كما نتمنى ان تلتفت الدولة لمبدعينا وان يجدوا التقدير الذي يستحقونه في وطنهم، وانا قد ذكرت قيض من فيض.