محمد عبدالقادر بكتب في (علي كل).. انقلاب البرهان.. لكنهم (يجقلبون)!
غير ما مرة نبهنا المدنيين في الحكومة الي اهمية تحصين الفترة الانتقالية من الانقلابات والاضطرابات بتجويد الاداء التنفيذي وانهاء الازمات وارساء دعائم دولة العدالة والقانون والابتعاد عن فش الغبينة السياسية ، والكف عن التسلط وتطويع السلطة لتحقيق الاجندة الحزبية والخاصة وضرب الخصوم دون وجه حق.
يغفل المدنيون كل ما يمكن ان يجنبهم سخط الشارع، وتسكنهم حد الوهم المخاوف من الانقلاب ومؤامرات (الكيزان) التي اتخذوها شماعة يعلقون عليها فشلهم اليومي ويدغدغون بها مشاعر الثوار كلما غامت الرؤية وانسد افق الحلول..
كانوا يهرعون الي (الوهم) والروايات المتخيلة عن جحافل الكيزان التي تدق ابواب القصر الجمهوري والقيادة العامة لاستلام السلطة ، يحملون العسكر مسؤولية كل ازمة باعتبارها عملا متعمدا لتعبيد الطريق امام الانقلاب قادم.
يتعمد المدنيون تجاهل حقيقة مهمة مفادها ان الجيش ليس الفريق اول عبدالفتاح البرهان رئيس المجلس السيادي ولا(مجموعة العساكر) الموجودين في المجلس السيادي وقد نبهناهم غير ما مرة الي اهمية الحفاظ علي المرحلة الانتقالية وتحصينها ضد الاختطاف والانقلابات باحسان التعامل مع المسؤوليات والصلاحيات خاصة وان السلطة المطلقة مفسدة مطلقة ،الحقيقة التي اكدتها ادارة الحكومة المدنية للشان العام خلال العامين الماضيين.
من خلال المواقف والتصريحات المتواترة بل والافعال الواضحة (احباط الانقلابات) يدرك الفريق اول عبدالفتاح البرهان رئيس المجلس العسكري ومعاونوه من العسكر في كابينة القيادة ان عهد الانقلابات ولي، وان اي تحرك يعيد الحكم العسكري مرة اخري لن يكون مرحبا به، ويعلمون كذلك انه لا مناص من العبور بالبلاد لمرحلة الانتخابات عبر الشراكة مع قوى الحرية والتغيير مهما كلف الامر..
لهذا السبب يواجه البرهان ومعاونوه انتقادات عنيفة داخل المؤسسة العسكرية تجلت في احباطهم للعديد من المحاولات الانقلابية اخرها مغامرة الثلاثاء التي قادها بكراوي.
ببساطة لو كان البرهان داعما للانقلابات لما تصدت لها اجهزته ولتامر معها علي قلب نظام الحكم. بالطبع لن يجرؤ احد علي تبني القول بان المحاولة كانت محض مسرحية لان المدنيين في السيادي هم اول من اعلنها بل وصرخوا عاليا يطلبون نجدة الجماهير : هبوا لحماية ثورتكم، ولكن لم يستجب احد مثلما هو معلوم.. وهذه قصة اخري بامكانها كذلك اغراء العسكريين بالانقضاض علي السلطة ان كانوا يريدون ذلك.
هذا حديث اليوم بالطبع، وهي الحقائق الشاخصة التي لن تجعلنا ندفن رؤوسنا في الرمال و(ننوم علي العسل) ونغفل استدعاء حقائق التاريخ التي تقول ان المدنيين دوما ما يقطعون الطريق امام التحول الديمقراطي سواء باساءة التعامل مع السلطة ، او الصراع علي الكراسي والفساد او الصراعات الصغيرة وكل هذه الاسباب تقود الي فشل الدولة وتسليم الحكم للجيش علي طبق من ذهب وبطلب من المدنيين كذلك.
الاحزاب تحالفت مع العسكر (حزب الأمة 58 19 وتبعهم الشيوعيون واليسار 1969 ثم جاء الاسلاميون الإسلاميون في1989 ، كل تدخلات الجيش تمت بالتامر مع الساسة.. ولكن الواضح ان العسكر اتقنوا الدرس ويرفضون استلامها هذه المرة.
في رمضان الفائت حملت الأنباء افادات مهمة للفريق اول عبدالفتاح البرهان رئيس المجلس السيادي حول مستقبل الشراكة مع قوى الحرية والتغيير أثناء مخاطبته إفطاراً لتجمع الاتحاديين حيث قال : (باقين عشرة على الشراكة مع قوى الحرية والتغيير)، وأضاف إنهم في مجلس السيادة والجانب العسكري “يعضون بالنواجذ على الشراكة مع قوى الحرية والتغيير”. وقال : (نحن باقون على الشراكة ، في سبيل التغيير الذي خرج من أجله الشعب السوداني).
لم تكن هذه الافادة الاولي ولا الاخيرة من الفريق البرهان للتعبير عن الحرص علي الشراكة رغم كل ما حدث وما يحدث ولكن يبدو ان الرجل ومن حوله ادركوا ان الانقلاب لن يكون هذه المرة علي طغمة حاكمين ونظام فاسد ومستبد فقط وانما سيكون علي خيارات الشعب السوداني وقوى الشارع الذي يرفع ناشطوه هذه الايام لافتة في وجه العسكر تقول : (جرب تعال)، واعتقد انه (هاشتاق) مستفز يخلو من ( الحساسية السياسية) والتقدير والاحترام الذي ينبغي ان يكون مبذولا بين طرفي معادلة الفترة الانتقالية ..
التعقيدات الاقليمية والتقاطعات الدولية لن تجعل الانقلاب علي خيارات الثورة امرا سهلا ومتاحا وهذا ما ادركه الفريق حميدتي وهو يوجه رسالته للعالم ويسالهم ما اذا كانوا مع الناشطين او مع الشعب السوداني؟!.
يقيني ان نواجذ البرهان التي يعض بها علي الشراكة مازالت قابضة ، ولكن رفض الانقلاب لن يجعلنا نقطع بانه يعبر عن رضاء الشعب وهو يتابع ويعايش الاوضاع الحالية باستياء شديد بعد ان استبدت به الحيرة عن البديل وفي اعقاب حالة الاحباط التي تملكته من الاداء الضعيف للحكومة بشقيها المدني والعسكري..
ومثلما قال الفريق حميدتي مخاطبا قواته امس.. ( نقول للمجقلبين انقلاب واحد مافي) وهذا تاكيد.اضافي، ولكن علي ذات (المجقلبين) كذلك ادراك حقيقة واحدة مفادها ان صبر الناس قد نفد وعليهم ان يفكروا في امكانية حدوث تغيير جديد يتجاوز العسكريين والمدنيين اذا لم يحسنوا ادارة الدولة ويحصنوا الفترة الانتقالية بقيم الحرية والعدالة وينحازوا لهموم المواطن ويخاطبوا قضاياه وازماته ويتجاوزوا الخلافات الصغيرة والصراع علي الامتيازات والكراسي..