الأمان الوظيفي والقانوني في القرارات وبناء دولة القانون (1-2)
بقلم المستشار/فائز بابكر كرار
Faiz Karar
توصية الجهة المختصة نهج استثنائي يبطل مفعول مواجهة محاسبة العامل “المزال” والتحقيق معه .
قانون لجنة إزالة التمكين يستمد مشروعيته من الوثيقة الدستورية وتفسر نصوصه وفق الغرض الذي شرع من أجله.
يؤثر الأمان الوظيفى والقانوني على الأداء وتحقيق العدالة والاستقرار .
نوجز أن الأمان الوظيفي هو الشعور بالاطمئنان فى أداء الوظيفة وتطبيق كافة النظم واللوائح المقررة قانونا والعدالة فى توزيع الفرص والترقيات، وفق معايير النزاهة والحياد والاستقلال ، وان اى مسلك خلاف ذلك يعد تمكينا وتجاوز للقانون مما يستدعي إزالته وجبر الضرر .
هل جاءت الوثيقة الدستورية بمبادئ وأحكام تعالج تجاوزت الأمان الوظيفي وتضمن الأمن القانوني والاستقرار؟
نصت الوثيقة الدستورية على وضع برامج لإصلاح أجهزة الدولة وضمان الاستقلالية والقومية وعدالة توزيع الفرص دون المساس بشروط الأهلية والكفاءة
(المادة 8 تفكيك بنية التمكين(الفقرة/ 15).
لما كانت الغاية من تشريع القوانين لتحديد خطوط السير والالتزام بما جاء فيها وتطبيقها لتحقيق الأهداف التي صدرت من أجلها ، ولما كانت هناك مظاهر سلبية في عمل أجهز الدولة، مما يؤكد بأن هناك خلل يحتاج لإصلاح يفسر بأنه فساد corruption، واستغلال للنفوذ لابد من تشخيصه ومعرفة مسبباته، والعمل على إزالتها، وضمان تحقيق الإصلاح القانوني عبر حكم القانون rule of law لضمان إصلاح أجهزة الدولة بإيلاء حكم القانون ومراعاة الحقوق والواجبات بطريقة خالية من استغلال السلطة والنفوذ والتمكين.
هنا يمكننا أن نقرر التشخيص فى عملية إصلاح أجهزة الدولة تكمن في ثلاث محاور: الوظيفة العامة والهياكل الادارية ومخالفة تطبيق القوانين والتشريعات فى شغل الوظائف ، عبر مرجعيات ثلاث
المرجعية الأولى / شرعية الإصلاح الإداري والقانوني وعدالة توزيع الفرص.
المرجعية الثانية /إعادة بناء أجهزة الدولة (الخدمة المدنية ) وإصلاح المنظومة العدلية والحقوقية بهدف تعزيز الكفاءة والنزاهة وضمان الاستقلالية.
المرجعية الثالثة /الأثر المترتب في مواجهة الفساد الإداري واستغلال السلطة وتحقيق بنية التمكين.
جاءت الوثيقة الدستورية 2019 في ديباجتها إصلاح أجهزة الدولة والخدمة العامة سعيا لإنقاذ تدابير العدالة الانتقالية وإعادة بناء الثقة كما نص ذلك في المواد (3-4-6)أن تسود أحكام الوثيقة وأن يخضع الجميع لحكم القانون المادة (8)الفقرة (12) برامج إصلاح أجهزة الدولة بصورة تعكس استقلاليتها وقوميتها وعدالة توزيع الفرص، وقد ورد هذا البرنامج في مهام الفترة الإنتقالية التي يجب أن تلتزم بها أجهزة الدولة في اعادة قومية الخدمة المدنية، وعدالة توزيع الفرص، وإنهاء بنية السيطرة والاستحواذ ومظاهر التمكين،حتى تكتمل الصورة، لابد من إيراد الفقرة(12) من المادة(8) عدالة توزيع الفرص ،والفقرة (15) التي تتحدث عن تفكيك بنية التمكين وبناء دولة القانون والمؤسسات.
وفي ذات الاتجاه وبنفس المنهجية صدر قانون التفكيك وازالة التمكين 2019 المعدل 2020 تحت سلطات لجنة تسمي لجنة ازالة التمكين واسترداد الاموال إذا القواسم المشتركة في عملية اعادة البناء هي التفكيك واسترداد الاموال.
ما هو السبب الذي جعل الاهتمام التفكيك وإعادة البناء؟
السبب هو التمكين ومخالفة النظم والتشريعات ، وسند شرعية التفكيك وازالة التمكين هو مانصت عليه الوثيقة الدستورية.
ومن تشخيص أعراض ومسببات التمكين التي جاءت في نص المادة (3)في تفسير قانون إزالة التمكين واسترداد الأموال التي تتمثل في تجاوز:
(1) نظم التعيين في الخدمة و الاحلال والابدال والسيطرة.
(2) الاستحواذ على الواجهات والكيانات بغرض التمكين.
التمكين يخلق فكرة التملك والاستحواذ التام لفئة محددة تعمل علي الإستغلال الوظيفي والعبث بأجهزة الدولة والموارد القومية .
الغاية من ذلك تطبيق القانون واللوائح وتحقيق الاستقلالية لبناء دولة القانون والمؤسسات، من أهم أهداف المرحلة الانتقالية التي جاءت في المهام بالنص الحرفي في المادة (8) البند (15) “تفكيك بنية التمكين” بموجب هذا انعقدت السلطات للجنة إزالة التمكين واسترداد الأموال وفي المادة (3)من تفسير قانونها عرفت التمكين في الوظائف العامة والخاصة والهياكل والواجهات، حيث حددت التمكين الوظيفي بالحصول على الوظيفة والتعيين في الخدمة العامة انفاذا لسياسات نظام 1989 بمخالفة نظم وتشريعات الخدمة العامة بسبب الانتماء السياسي (فقه التمكين ) أو الوظيفة منشأ بغرض السيطرة على الكيانات والمؤسسات ، وفي ذلك جاءت فكرة التفكيك وإعادة البناء باتخاذ إجراءات إنهاء الخدمة وفق نص المادة (7)البند (د) بناء على توصية أجهزة الدولة أو الجهة المختصة بسبب أن الشخص حصل علي الوظيفة بسبب التمكين واستخدام النفوذ أو الوظيفة التي يشغلها أنشئت لأغراض التمكين.
وفي هذا يجب أن تكون غاية التفكيك في مواجهة الأشخاص هي الإصلاح والتوزيع العادل للفرص لضمان تحقيق الاستقلالية والقومية بحيث لا يستبدل تمكين بتمكين.
متفقين قانونا : من الناحية الموضوعية على شرعية القانون على سند سن التشريعات والقوانين المتعلقة بمهام الفترة الانتقالية.
في إطار التطبيق والاختصاصات الواجب اتباعها وفيما يخص السلطة القضائية والنائب العام هل نصوص قانون لجنة ازالة التمكين والتفكيك كاملة واجبة التطبيق ؟
اولا/ من حيث الإصلاح وتفكيك بنية التمكين أن نصوص القانون واجبة التطبيق في إطار الغرض الذي من أجله شرع القانون والسند في ذلك نصت المادة(3) من قانون لجنة ازالة التمكين تعتبر السلطة القضائية والنائب العام من أجهزة الدولة.
ثانيا / من حيث السلطات والاختصاصات السلطة القضائية والنائب العام حددت لهما الوثيقة الدستورية الاستقلالية التامة من تدخل اجهزة الدولة وذلك بموجب المواد (30 الفقرة 2 والمادة 32 ) من الوثيقة الدستورية والتى بموجب المادة(3) منها أحكامها هي التي يجب أن تسود.
وهنا نستنتج من الناحية الموضوعية أن(قانون تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989 وازالة التمكين لسنة 2019 تعديل 2020 مختص بشأن تفكيك بنية التمكين وبناء دولة المؤسسات والقانون بغرض الإصلاح وضمان القومية والإستقلالية ، وإنهاء خدمة اى شخص فى أى من أجهزة الدولة بما فيها السلطة القضائية والنائب العام،”لجنة إزالة التمكين مختصة في تفكيك بنية التمكين فى السلطة القضائية والنائب العام”.
الاعتبار في ذلك:-
تفسيرا جاء فى قانون تفسير القوانين والنصوص العامة السوداني لسنة 1974 فى المادة (6) الفقرة (3) سيادة أحكام القانون اللاحق، والفقرة (4) القانون الخاص بالمسألة يحكم تلك المسألة ، والمسألة هنا ازالة التمكين والتفكيك، والتى جاء في قانونها فى المادة (2) من قانون لجنة إزالة التمكين بأن تسود أحكام القانون فى حالة التعارض.
قانونا : التوصية بإنهاء الخدمة:
وفق ما جاء فى المادة(7) الفقرة” د” من قانون لجنة ازالة التمكين قرار الازالة يصدر بناء على توصية اللجان الفرعية المكونة فى أجهزة الدولة التى للجنة إزالة التمكين، وهى لجان توصية وليست لجان محاسبة وتحقيق لاتواجه العامل إلا من خلال النظر لملفه الوظيفى والتقرير بشأنها في مدى انطباق الأسباب المؤدية للازالة “الفصل” وتصدر بموجب ذلك توصيتها .
وترك للعامل المزال مواجهة اللجنة الرئيسية فى التقدم بطلب مراجعة قرار اللجنة وفق شروط المادة (12) الفقرة(6) “مراجعة اللجنة لقراراتها من تلقاء نفسها أو بطلب من المزال”المفصول ” ، ثم الاستئناف والطعن بموجب المادة(8) وفق الشروط المحددة في قانون لجنة إزالة التمكين.
توصية الجهة المختصة نهج استثنائي يبطل مفعول مواجهة محاسبة العامل “المزال” والتحقيق معه (المقصود بالنهج الاستثنائى هنا حالة القانون نفسه “قانون لجنة إزالة التمكين ” بمعنى قواعده هى التى تحكم وليست قواعد قواعد الجهة التي ينتمي إليها العامل “المزال”) بالمقابل عند تطبيق قانون إزالة التمكين وإصدار قرار فصل العامل يجب أن ينسحب ذلك على إلغاء أثر القوانين السابقة التى تنص على قيد عدم ممارسة أي مهنة بعد الفصل (بمعنى عدم ازدواجية الجزاء تارة بالفصل وتارة بالمنع من ممارسة مهنة اخرى الا للمصلحة العامة ) .
نختلف قانونا من الناحية الشكلية والإجرائية، حيث هنالك لبس أو غموض فى تطبيق العدالة الاجرائية وفى ذلك ماهو القانون الاجرائي الخاص بتطبيق القواعد الموضوعية من ناحية التحقيق والتحري عن المخالفة والتجاوز المنصوص عليه فى المادة(7/د) إنهاء خدمة اى شخص حصل علي الوظيفة بسبب التمكين واستخدام النفوذ أو الوظيفة التي يشغلها أنشئت لأغراض التمكين وفى ذلك مواجهة الموظف ابتدا قبل استئنافه، وهل قامت الجهة المختصة أو المعنية من اجهزة الدولة بتوصية إنهاء الخدمة وفق نص المادة أعلاه ، وفى ذلك تطبيقا قضائيا فى مجلة الأحكام القضائية لسنة 1972 صفحة (585) سابقة محمد حامد احمد- ضد – الهيئة المركزية للكهرباء أفادت أن حرمان الموظف من حق السماع من قبل جهة الادارة يجعل قرارها باطلا ) .
قانون التفكيك وإزالة التمكين يحتاج مذكرة تفسيرية تحدد ماهية الإجراءات القانونية المتبعة ، وان اى مسلك خلاف ذلك يعد مخالفة للسلامة الاجرائية ويجعل قرارات اللجنة عرضة للخطر إذا اجتمع ذلك مع التعارض والتقاطعات القانونية ورب عمل جميل تفسده انعدام السلامة الاجرائية.
الوثيقة فى أصلها ترجمة اتفاق سياسي وليست صناعة دستوريين لذا تعتريها كثير من الثقوب ، وكذا الحال ينسحب فى على قانون لجنة إزالة التمكين.
الأمن الوظيفي والقانونى عالميا:
بصفة عامة فيما يخص المبادئ الأساسية المتعلقة باستقلال القضاة والمدعين العامين والمحامين، وتجديد وإصلاح الأجهزة العدلية والقضائية فى حالات التغيير والتحول في ظروف استثنائية بأن يراعي في ذلك الأمن الوظيفي والقانوني وحماية الاستقلالية، وتعزيز السبل الرامية إلى استقلال القضاء والمهنة القانونية واهتمام السلطات الحاكمة بذلك، وعدم تأكل ضمانات استقلال السلطات القضائية والعدلية.
وفى هذا الاتجاه قررت لجنة حقوق الإنسان القرار رقم 41\1994 أن يتولى مجلس حقوق الإنسان بموجب قرار الجمعية العامة رقم 251\60 تولى المجلس مهمة استقلال القضاء والمهن القانونية.
حقيقة القاعدة القانونية يجب ان يسلم بها كماهى وأن تفسر وفق الغرض الذي شرعت من أجلها، و تناهض بالطرق المرسومة قانونا، والنظر لحقيقة وطبيعة القاعدة القانونية يجب أن لايخالف الواقع، ولا يحكم على القواعد بالاهواء وتزيين الباطل ،والعدالة ميزان لك وعليك ، والامانة العلمية والقاعدة القانونية يقتضيان التجرد .
بناء دولة القانون والمؤسسات تقتضي كفالة الحقوق كاملة وعدم التعسف ، واتاحة المجال لمناهضة القرار عبر الطرق المرسومة قانونا .
الحلقة القادمة:
السؤال الذي نحاول الإجابة عليه فى الجزء الثانى: هل يجوز للجنة إزالة التمكين إصدار قرارات المصادرة؟
وهل يوجد فى قانونها مصطلح مفردة المصادرة؟ وماهى القيود القانونية التي تحكم إصدار قرارات المصادرة؟
نواصل بإذن الله
تحياتي مستشار فائز بابكر كرار
Faizkararf77@gmail.com
تاريخ إنشاء المقال مايو 2020.