م. نورالدائم عبدالحميد سليمان يكتب *مشكاة العلم و المعرفة في محراب د. محمد حامد البلة
نبارك له نيله درجة الدكتوراة في الامتحان النهائي بعنوان:
(نظام الحكم اللامركزي في السودان).
فمن مشكاة النبوة، الحديث الذي رواه أبو هريرة، قال:
قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم
(( المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله، وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان)).
يبدأ الحديث بتقرير حقيقة لا ينبغي أن يعتريها الغموض، ولا أن يحيط بها الشك وهي حقيقة التطلع إلى العلو، و السمو والارتفاع عن الضعة والضعف.
كما يدفع إلى المجاهدة والمكابدة من أجل التخلص من كل ما يربط الإنسان بالأرض.
كما يدعو إلى تحقيق حقيقة القوة، (المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير).
إن ارادة النجاح غاية في الأهمية، و لكن الاهم منها ارادة التحضير للنجاح.
كما أن الإرادة الصادقة للإنسان.. تشبه قوة خفية تسير خلف ظهره، وتدفعه دفعاً للامام على سلم النجاح علوا.. و تتنامى طرديا مع عامل الزمن حتى تمنعه من التوقف أو التراجع.
إن الأجنحة التي لا ترفرف لا تطير فمن أراد أن يمخر عباب بحر التفوق و يصعد إلى قمم النجاح، فعليه أن يتحمل سهر الليالي.
هكذا عودنا شيخنا الدكتور محمد حامد البلة (إبن بحر ابيض، و والي ولاية نهر النيل السابق) أنه إنسان ناجح، متواضع و مخلص، فكل هذه الصفات تساوي فوزا في الدنيا ويوم يقوم الاشهاد.
هكذا هي سماته تواضعا و خفضا لجناح الذل من الرحمة و برا باخوانه.
و قد رفع الله اهل العلم درجات كقوله تعالى:
﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾
وأخبَرَنا الله في قرآنه بأنَّ العلم كان من الأسباب التي جعلَت طالوت ملكًا؛ فقال تعالى:
﴿ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾
ومن تَكريم الله تعالى للعلماء أنْ جعلهم من الشُّهود الذين شهِدوا على وحدانيَّته سبحانه وتعالى، وفي هذا الإشهاد تكريمٌ أيما تكريم للعلم والعلماء؛ قال تعالى:
﴿ شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ﴾
لقد انتهت أيام الزرع والتعب من أجل الحصول على خير حصاد، وها أنت اليوم تحصد ما زرعت من قبل و تنجح نجاحًا باهرًا، فألف مبارك لك هذا النجاح.
ود البلة، قامة سامية، نجده دائمآ فائضا بالمودة والمحبة تعكس اخلاق الرجال بافعالهم وصدق مواقفهم وسجاياهم وجدارة مباراتهم.
إنه البسام الضحوك، و أن نبل أخلاقه وطبائعه الفريدة وسجاياه الحميدة و خصاله الجميلة و سيرته العطرة و أياديه البيضاء التي لطالما اجتهد في إخفائها، مع البساطة و التواضع الجم.
إنه بحق الرجل الذي مزج أمزجتنا بعبق الزهر ونفح الطيب رغم ما يعانيه الوطن الجريح من مهددات و استهداف في وحدته و امنه و عقيدته و في نسيجه الاجتماعي.
فقد اضفى بإسهاماته ومواقفه النبيلة، ركيزة مهمة وملمحا جماليا من خلال الدعم المعنوي و المعرفي و القيمي.
كما تشهد له مواقفه الجريئة في مواجهة الباطل الزهوق، أينما حل زمانا و مكانا.
فقد كان و مازال و سيظل إن شاء الله سهما من سهام الحق في خاصرة الباطل و داعما لكل الأنشطة الوطنية و الاجتماعية والثقافية و السياسية على امتداد تراب الوطن الجريح.
إن لهذا الرجل الديناميكي حراكا لا يفتر ودعما مستمرا يساهم في تجديد حياة الناس من إشعاع نور علمه، كما أنه يعزز إقبال الناس على الممكنات.
سيبقى ود البلة احد الرجال الإعلام الافذاذ الذين غمرونا بعبق الزهور وطيب الحضور وجدارة الأفعال انه النموذج الفذ بصلابة مواقفه و ثبات مبادئه.
طيب المعشر، سمح السجايا، يجعلك تفرق بين الجوهر والقشور، يتسم بالوضوح الموشح بالحماس ، صفاء المعدن و الاخلاص، الحس الوطني وصلابة المواقف، الفروسية والتواضع و سعة الصدر، و الحكمة و النظرة الثاقبة، و وضوح الرؤية و الرسالة، يلتزم بالشرعة و المنهاج مسلكا و طبعا.
ياخذ من سلفه الأصالة و من حاضره المعاصرة، لا يداهن في المبادي و الثوابت.
يواكب عصره و يوجه البوصلة نحو الأرث العظيم للأسلاف فيبقي ، يبعث على الفخر و يحصن الأجيال الجديدة عن الوقوع في مواطن الزلل.
صقلته التجارب على الصبر و على كل المكاره ما ظهر منها وما بطن وأن الصادقين لا يتخلون عن الوطن وإن بدا أن ذاك الوطن قد تخلى عنهم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(صنايع المعروف تقي مصارع السوء).
و كما قال الشاعر:
لا تأسفن على غدر الزمان
فلطاما رقصت على جثث الأسود كلاب
لا تحسبن برقصها تعلوا على اسيادها*
تبقى الأسود اسود و الكلاب كلاب.
نحن في زمان يحارب فيه العلم والعلماء و تحلق في سمائه بغاث الطير.
رحم الله القائل:
بغاث الطير أَكثَرُها فراخا
و ام الصقر مقلاة نزور
بُغاثُ الطيرِ أطولُها رِقابًا
ولَمْ تَطُلِ البُزاةُ ولا الصُّقورُ
خَشاشُ الطَّيرِ أكثرُها فِراخًا وأمُّ البازِ مقلاةٌ نَزورُ
ضِعافُ الأُسْدِ أكثرُها زئيرًا وأصرمُها اللَّواتي لا تَزيرُ.
إننا نراقب تعثر بغلة كل افاك اثيم و كل عتل زنيم.
سوف تسطع شمس الحرية و العلم و المعرفة لتجفف برك الظلم والطغيان و الجهل الآسنة.
و لكننا على يقين بأن القدر سوف يستجيب و يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من فجر الحرية والتغيير و الانعتاق.
يقول الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي
إذا الشـــعبُ يومًــا أراد الحيــاة
فــلا بــدّ أن يســتجيب القــدرْ
ولا بــــدَّ لليـــل أن ينجـــلي
ولا بــــدّ للقيـــد أن ينكســـرْ
ومــن لــم يعانقْـه شـوْقُ الحيـاة
تبخَّـــرَ فــي جوِّهــا واندثــرْ
ومن يتهيب صعود الجبال
يعش أبَــدَ الدهــر بيــن الحــفرْ
فـلا الأفْـق يحـضن ميْـتَ الطيـورِ
ولا النحــلُ يلثــم ميْــتَ الزهـرْ
إذا طمحـــتْ للحيـــاةِ النفــوسُ
فــلا بــدّ أنْ يســتجيبَ القــدر.
أحبتي إن القرآن في أول نزوله، قد أمر بالقراءة لتحصيل العلم.
فقال تعالى :
{ اقرأ باسم ربك الذي خلق }.
و قال تعالى:
{ قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون}.
و قال أيضا:
{ ..يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات}.
و قد قال المتنبي:
أعز مكان في الورى سرج سابح
و خير جليس في الأنام كتاب.
ففي حاضرنا، فإن كثيرا من الأمم تعطي القراءة و العلم و المعرفة المصحوبة بالعمل حيزا كبيرا.
فأمريكا كمثال ففي “الكونجرس” نجد مكتبة فيها كل فن من ضروب المعرفة.
و تعتبر أكبر مكتبة في العالم ومن خلال ذلك يتابعون الثقافة العالمية ويرصدونها، و بين الفينة والأخرى يبعثون منتدبين عنهم إلى جميع مكتبات العالم ، لأخذ نسخة من الكتب الجديدة وضمها إلى حوزة المكتبة.
و في الصين تحرص على تنشئة الأجيال على القراءة الواعية الهادفة وعندهم مثل يقول:
” إذا أردت أن تعرف مستقبل أمة فانظر إلى ما يقرأه أطفالها”.
العلم بحر لا ساحل له، فكلّما شربت منهُ شربة شعرت بالظمأ.
فقد قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم:
(مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ).
طلب العلم شاق ولكن له لذة ومتعة والعلم لا ينال إلّا على جسر من التعب والمشقة ومن لم يتحمل ذل العلم ساعة يتجرع كأس الجهل أبدا.
إن القلب الخرب يجعل من العلم سلاحا للفساد.. (وما تفرقوا إلّا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم).
فانظر إلى ضراوة العلم عندما يفقد القيم و الإخلاص لله والرفق بالعباد، كيف يثير التفرقة، ويقطع ما أمر الله به أن يوصل.
فالعلم بدون دين أعرج، والدين بدون علم أعمى.
لو كان العلم من دون التقى شرفاً
لكان أشرف خلق الله إبليس
الأخلاق أولاً ثم العلم والكفاءة، هذا هو مفتاح السعادة للأفراد والحكومات والجماهير.
فالعلم أكبر من أن يحاط به، فخذوا من كل شيء أحسنه
إن الجامعات في امريكا و أوربا و اسرائيل لا تبحث عن العلم من أجل العلم فقط، و لا تبحث عن المعرفة من أجل الارتقاء بمكانة الإنسان الاجتماعية وشبكة علاقاته بالمنشأ والحياة والمصير فقط و انما هم هناك يبحثون عن المعرفة المصحوبة بالعمل باعتبارهما عنصراً من عناصر القوة اللازمة للنجاح في عملية الصراع الدولي و الهيمنة و إيجاد مناطق نفوذ و السيطرة على مقدرات الشعوب و نهب ثرواتها و توجيه مساراتها لتصب في شرايين اقتصادها.
اما نحن في دول العالم الثالث فان حال العلم والمعرفة عندنا كحال الذهب عند نسائنا، يبقيان مجرد حلية يباهي بهما الافراد وحملة الشهادات بعضهم بعضاً في الداخل و تعلق على جدران بيوتنا.
فالعلم وحده لا يكفي ما لم يتوج صاحبه بالقيم و بمكارم الاخلاق.
ليس الجمال باثواب تزيننا
إن الجمال جمال العلم و الأدب
و في الختام نبارك لإبن بحر ابيض من القلب و للأسرة الكريمة و لكل الأهل والأصدقاء.
و نختم بقول الشاعر :
العلم يرفع بيتًا لا عماد له ***
و الجهل يهدم بيت العزِّ والشرفِ
* *منشور في صحيفة الانتباهة الصادره اليوم الجمعة٢٦ نوفمبر٢٠٢١م صفحة ١٠*