مصطفى ابوالعزائم يكتب في (بُعْدٌ .. و .. مسَافَة).. الرئاسة التي رفضها المهدي …!
ما كتبنا عنه من قبل حول مقترح كان سيجنّب بلادنا الكثير من المآزق السياسية ، خلال الفترة الإنتقالية التي أعقبت تغيير النظام السابق ، وهو بأن يتم تكليف السّيّد الإمام الصّادق المهدي رحمه الله ، بتولي مسؤولية تشكيل حكومة الفترة الإنتقالية بحسبانه آخر رئيس وزراء منتخب ، تكون مهمة حكومته الأولى هي الإعداد للإنتخابات ، والعمل على إيجاد الحلول المناسبة للمشاكل الإقتصادية ، ومعالجة قضايا المعيشة اليومية والخدمات .
لم يكن قد خطر على بال صاحبكم إن هذا الأمر قد تم طرحه بالفعل من قبل القوى الجديدة التي استولت على الحكم ، على السيد الإمام الصادق المهدي _ طيّب الله ثراه_ لكن محادثة هاتفية ، جاءتني من الأخ الكريم الأمير أحمد سعد عمر ، وهو سياسي علم ، وقيادي بارز منذ أيام صباه الباكر ، تشرّب القيادة من كبار ساسة البلاد وعظمائها من أمثال الشريف حسين الهندي ، والسيد الصادق نفسه ، وشيخ العرب عمر نور الدائم ، وغيرهم رحمهم الله ، من قيادات الجبهة الوطنية التي قادت المعارضة ضد حكم الرئيس الراحل جعفر محمد نميري ، رحمه الله ، وقادت العمل المسلح لإسقاط النظام وقتذاك ، في ما عرف لدى إعلام النظام ب ( الغزو المسلح ) و ( غزو المرتزقة) وغير ذلك من مسميات .
محادثة الأمير أحمد سعد عمر ، جاءت تعقيباً على ما جاء في هذه الزاوية حول مقترح تولي السيد الإمام الصادق المهدي لرئاسة الحكومة إلى أن يحين موعد الإنتخابات بعد إنقضاء أجل الفترة الانتقالية ، وجاءت المحادثة تحمل معها المفاجأة التي لم يعرف عنها أحد ولم يعلن عنها السيد الإمام الصادق المهدي رحمه الله حتى ساعة رحيله ، وهي أن عرضاً بتولي مسؤولية تشكيل الحكومة الجديدة قد قدمه من بيدهم الأمر في ذلك الوقت ، بعد إستيلاء قيادة الجيش على السلطة ، وإنه قد تم تكليف الأمير أحمد سعد عمر ، بأن يُبلغ السيد الإمام بذلك المقترح ، وهو مقرّب له ، بل كان أحد أقرب من يستشيرهم في الأمر ، في فترة العمل ضمن الجبهة الوطنية ، وكان يعمل برأيه حتى بعد أن يشاور كبار معاونيه من قيادات الجبهة الوطنية في ذلك الوقت .
الأمير أحمد سعد عمر ، وهو رجل تربط بيني وبينه علاقة ود وتقدير واحترام متبادل ، وأثق تماماً في قدراته السياسية ، وتقديره للأمور ، وتقييمه الصائب للأحداث ، فاجأني بأنه تواصل مع السيد الإمام الصادق المهدي ، وزاره في مقر إقامته ، وطلب أن يحادثه على إنفراد ، وعندما إلتقى به ، قدّم له المقترح الخاص بأن يتولى مسؤولية تشكيل الحكومة الجديدة ، بحسبان أنه آخر رئيس وزراء منتخب ، قبل الإنقلاب عليه في الثلاثين من يونيو من العام 1989 م ، لكن المفاجأة الكبرى كانت في رفض السيد الإمام الصادق المهدي للمقترح وللفكرة من أساسها ، فبعد أن شكر الأمير أحمد سعد عمر ، وشكر من حمّلوه إبلاغ مقترحهم للسيد الصّادق ، إعتذر السيد الصّادق عن تولي هذا الأمر ، وقال إنه لن يقبل بأي موقع قيادي أو تنفيذي في الدولة إلا أن يأتيه عن طريق الإنتخاب .
هذا الموقف من السيد الإمام الصّادق المهدي رحمه الله ، يؤكد على إيمان الراحل المقيم بالديمقراطية ، والحرص على عدم تجاوز إرادة الشّعب ، أو القفز على المراحل ، كما يؤكّد على أنه ما زال هناك في ساحات العمل السياسي و العام في بلادنا من يفكر في الوطن قبل الحزب ، وفي الشعب قبل الذات .
رحم الله السيد الإمام الصادق المهدي رحمة واسعة وعفا عنه وغفر له واسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ، فقد لازلنا نتعلم منه الدروس حتى بعد الغياب ، ونسأل الله أن يوفق من بيدهم الأمر للخروج ببلادنا مما هي فيه الآن من أزمات ومشاكل ، وأن يعيد إليها وإلينا الطمأنينة والأمن والثقة بالنفس واحترام الآخر حتى ولو كان مختلفاً عنّي وعنك في الدين والفكر والعقيدة ، والجنس واللون .
ننشر هذا المقال بمناسبة الذكرى الأولى لرحيل الزعيم الوطني الحقيقي السيّد الإمام الصّادق المهدي ، رحمه الله رحمة واسعة وعفا عنه وغفر له واسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا .. آمين .