سهير عبد الرحيم تكتب: رحلة الولايات (مروي – دنقلا)
kalfelasoar76@hotmail.com
غَادَرنَا عطبرة الصُّمود عقب التدشين وقرع جرس الامتحان، إيذاناً ببداية امتحانات الشهادة السودانية، يمّمنا وجهنا شطر دنقلا، لم ينسَ أهالي عطبرة تزويدنا بقارورات المياه الصحية والمشروبات الغازية، بل إنّ الشاب الشهم عاطف علي إبراهيم لَحقَ بنا وهو يحمل بعض الأدوية لنا، بعد أن أصابنا شيءٌ من الإعياء والرَّهق.
استقبلنا نخيل القُرير على الطريق وهو يوثق لجمال المنطقة، وهبّت علينا رياح مساوي وهي تفتح نفاجاً للروح، وعند (أوسلي الولوفة متمني أشوفها أسمع روائع ود ابنعوف) كما قال الشاعر.
عند مشارف قرية (أوسلي) مسقط رأس والدي الحبيب عليه رحمة الله ورضوانه وجعل الله قبره روضة من رياض الجنة… عند مشارف القرية والسيارة تطوي الطريق كلمح البصر، لمحنا من على البُعد شبح ثلاثة رجال.
حين اقتربنا منهم وجدناهم تلميذين من التلاميذ الممتحنين للشهادة السودانية ومعهم أستاذ، دون أن أشعر صفّقت بكلتا يدي وأنا أهلل للسائق شوقي أن توقّف هنا… توقّف هنا.
ترجّلت من السيارة وصافحت التلميذين بحرارة شديدة وحُب غامر، لا أدري هل كنت أبحث عن رائحة والدي… أم كنت أرسل رسائل على قبره إني أجتهد يا أبي كما أوصيتني على فعل الخير وها آنذا أساهم في توصيل نفر من عشيرتك.
شعرت الرسالة وصلت قبر أبي حين طوقني الدعاء الكثير لي ولوالديّ ولزملائي، لقد كان الفرح في عيونهم حين جلسوا داخل السيارة ووجدوا الاحتفاء من صلاح وهبة وسعيد وهيفاء وخالد وشوقي، كان احتفاءً حارّاً ودافئاً رغم بُرودة السيارة.
التلميذان هُما معتصم علي وأحمد عيسى، يسكنان الباسا ويدرسان في مدرسة أوسلي، وأستاذهما الذي كان برفقتهما هو الخليفة عثمان محمد أحمد يسكن كورتي ويدرس بمدرسة أوسلي.
أصدقك عزيزي القارئ، إني لو لم أنقل في مبادرة وصِّلني غير هؤلاء الثلاثة الى قريتهم لكفاني، ليس ذلك من باب العُنصرية لمسقط رأس أبي كما قال سعيد المصور، ولكن لأنّي رصدت نظرة الرضاء في عيونهم من شمس الشمالية وما أدراك ما شمس الشمالية الى تكييف السيارة.
لقد صدق حقاً رسولنا الكريم حين أرسى لنا دعائم فضيلة فضل الظهر ونوه لها.
في الطريق، فأجاني أستاذ الخليفة بالقول: أنتِِ الصّحفيّة سهير عبد الرحيم، أجبته نعم… لم أكن أتوقّع مُتابعته اللصيقة للصحف، ولم يتوقّع هو أن تصله مبادرة وصِّلني من الخرطوم الى مقر عمله وتنقله من أوسلي الى كورتي.
في الطريق نزل التلميذان في منطقة الباسا الهادئة الوديعة، وواصلنا رِفقة الأستاذ الى منطقته كورتي، وحين وصل الأستاذ أقسم علينا أن ندخل منزله ونفطر معه، وقال: (فطوري قراصة ما عندنا شِيتن كتير)، ولكننا اعتذرنا بلطفٍ بأنّ رحلتنا طويلة الى دنقلا، مع وعدٍ إن أتى بنا الزمان لدينا قراصة بي مفروكة بامية وشطة خضراء لدى الرجل.
واصلنا المسير الى قَنَتِّي شُعلة الأمل وجذوة الحُب، ثم وفي الطريق كان المرور بـ(كرمكول) الطيب صالح، ولك أن تتخيّل أنّ مُوسم الهجرة الى الشمال يرسل لك تحايا النخيل من “دومة ود حامد وعرس الزين وعبيط القرية”.
*خارج السور:*
واصلنا الى دنقلا.. وفي الطريق الممتد لا شيءٌ يُنبئك بأنّ التنمية مرت من هنا سوى الشارع الأسفلتي… الشارع فقط وسط صحراء مُمتدة بحجم الأُفق…
أو كما قال لي السائق شوقي… قد تمر ساعتين وأنت تقود في الطريق دُون أن تشاهد سيارة أو إنساناً أو حيواناً أو حتى طائراً في السماء … لا تنمية على الإطلاق!!!
*نواصل،،،*
*نقلاً عن الانتباهة*