وكالات : الجزيرة
أثناء تصوير المظاهرات في منطقة شروني القريبة من القصر الرئاسي بالخرطوم، اختلس دائما النظر كل حين إلى مقدمة الموكب حيث ترتفع رايات غاضبون وملوك الاشتباكات، لأنه متى طويت وانسحبت حملتها فهذا إيذان بتفريق المظاهرة من قبل القوات الأمنية”.
هذا ما أدلى به أحد مصوري القنوات الفضائية للجزيرة نت، وهو ما يعكس تزايد الاعتماد على هذه المجموعات المثيرة للجدل، التي تكون دائما في مقدمة المظاهرات تتصدى للغاز المسيل للدموع وكل ما تستخدمه الشرطة لتفريق المحتجين.
وينظر النشطاء والمحتجون لمجموعات “غاضبون بلا حدود” و”ملوك الاشتباكات” وفق رؤيتين: إما أن عناصرها قطيع خارج القانون أو ضحايا الإحباط وتجربة فض الاعتصام المريرة أمام القيادة العامة للجيش بالخرطوم في الثالث من يونيو/حزيران 2019 عندما فقدوا رفاقهم.
لكن هذه المجموعات الآن براياتها المميزة في مقدمة المظاهرات المشتعلة منذ الإجراءات التي اتخذها قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، مما أعاد طرح العديد من الأسئلة الملحة بشأن قصتها.
كثير من النشطاء في لجان المقاومة ومعارضة العسكريين والقريبين من تنظيم المظاهرات لديهم علاقات مع هذه المجموعات منذ بداية تشكلها، لكنهم يتعاملون بحذر في الوصول والاتصال بعناصرها أو الإدلاء بأي معلومات متعلقة بهم خوفا من الملاحقات الأمنية التي تتعرض لها هذه العناصر.
وتقول “ن” للجزيرة نت -وهي من الناشطات المهتمات بمعالجة أوضاع هذه المجموعات- إن أولى المجموعات التي ظهرت كانت “غاضبون بلا حدود”.
وتضيف أن المنضوين تحت راية “غاضبون” كانوا “أصدقاء ثورة” منذ الاعتصام الذي أطاح بالرئيس المعزول عمر البشير أمام قيادة الجيش، لكنهم تبنوا الميل للعنف بعد فض الاعتصام بالقوة، وما نتج عنه من قتلى ومصابين ومفقودين.
وحسب “ن” فإن مجموعة “ملوك الاشتباكات” تشكلت لاحقا من المجموعات الحانقة على العسكر وحتى على المدنيين في قوى إعلان الحرية والتغيير في الحكومة المعزولة، إذ يتهمونهم بالمتاجرة بدماء رفاقهم “الشهداء”.
أما مجموعة “أسود المحاكم” فقد تشكلت لوقت وجيز أثناء محاكمة أفراد جهاز الأمن المتورطين في قتل المعلم أحمد الخير، وظهرت هذه المجموعة بلافتاتها في مظاهرات أمام المحكمة التي قضت بإعدام 29 فردا من الأمن في ديسمبر/كانون الأول 2019.
يقول “ش” للجزيرة نت -وهو أحد الناشطين في مقاومة العسكريين ويتولى شباب “غاضبون” و”ملوك الاشتباكات” بالرعاية- إن هذه المجموعات الآن مطاردة من قبل الأجهزة الأمنية.
ويشير إلى أن أحد أفراد “غاضبون” أبلغه بعدم تمكنه من زيارة أسرته في الخرطوم بحري منذ نحو 20 يوما، وعندما اتصل هاتفيا بأسرته حذروه من القدوم لأن قوات نظامية بزي مدني اقتحموا المنزل أكثر من مرة من أجل اعتقاله.
ويضيف “ش” أن المنتمين لهذه المجموعات في حالة تنقل دائم بين مدن ولاية الخرطوم الثلاث وبين الأقاليم بهدف التأمين والحماية من الاعتقال والتوقيف.
ويؤكد “ع” -وهو أحد عناصر “غاضبون”- للجزيرة نت أنه رغم تعدد واجهات هذه المجموعات ومظاهر الانقسام أحيانا في “ملوك الاشتباكات” فإن ثمة تنسيقا بين هذه المجموعات خلال المظاهرات.
ويقول إن عضوية هذه المجموعات ازدادت بشكل مضطرد بعد ما أسماه “انقلاب البرهان”، وكان ملاحظا -وفقا لقوله- انضمام عدد كبير من البنات لهذه التشكيلات التي تتصدى للقوات الأمنية في المظاهرات بتقدم الصفوف.
وعندما سألت الجزيرة نت “ع” عن مصدر عبوات الغاز المسيل للدموع التي تستخدمها هذه المجموعات؟ أجاب بأن هذه العبوات “غنائم” من الشرطة خلال المظاهرات، كما أن بعضها لا ينفجر عند إطلاقه فتظفر بها مجموعاتهم وتحتفظ بها ليوم كريه، حسب تعبيره.
طبقا لـ”ع” فإنه لا يوجد تنسيق بالمعنى المفهوم، لكن العديد من لجان المقاومة والنشطاء يحاولون السيطرة على اندفاع هذه المجموعات أثناء المظاهرات، مما أوقع العديد منهم قتلى ومصابين.
ويشير إلى أن حالات الإصابة بينهم كانت لوقت قريب خارج إحصاءات لجنة أطباء السودان المركزية؛ لأن عناصر “غاضبون” و”ملوك الاشتباكات” كانوا يرفضون التعامل مع كل الأجسام من لجان مقاومة وأجسام مهنية.
ويضيف أن السلطات الأمنية تحاول باستمرار شل حركة هذ المجموعات بالاعتقالات والملاحقات، فضلا عن تعرضهم المستمر لخطر القتل والإصابة، لذا باتت تشكيلات “غاضبون” و”ملوك الاشتباكات” أكثر التزاما بالخطط التي تضعها لجان المقاومة، خاصة تلك المتعلقة بانتهاء زمن أي مظاهرة عند الساعة الخامسة مساء والانسحاب والانفضاض في الزمن المحدد.
ويفيد بأن هذا الالتزام قلل عدد الإصابات والوفيات بين المنتمين لهذه المجموعات، ويتابع “الآن الاشتباك براية”.
وتقول الناشطة “ن” -المهتمة بمعالجة أوضاع هذه المجموعات- إن عدد القتلى من بين تشكيلات “غاضبون” و”ملوك الاشتباكات” منذ 25 أكتوبر/تشرين الأول الفائت لا يقل عن 8 قتلى، فضلا عن عدد كبير من الإصابات التي يتعاملون معها بفخر.
تقول الناشطة “ن” إن المنتمين “لغاضبون” و”ملوك الاشتباكات” كلهم في العقد الثاني وما دونه، ويتسمون بالعناد السياسي والمبدئية تجاه ما يؤمنون به، مما يتطلب تضافر جهود كبيرة ومدروسة لمعالجة ميولهم للعنف، خاصة أن بعضهم تتملكه “حالة الاشتباك” كلما رأى نظاميا بزيه العسكري.
وتنوه “ن” إلى أن هذه المجموعات تشعر بالتهميش رغم التضحيات التي بذلتها مما يحتم على لجان المقاومة عدم الاستسلام لحالة الرفض التي تتسم بها هذه المجموعات ومحاولة إشراك قادتها في اجتماعات لجان الميدان للتخطيط للمظاهرات.
وتوضح أن بعض عناصر هذه المجموعات تحتاج لتدخل اختصاصيين نفسيين واجتماعيين، وهو ما بدأ في مراحل سابقة رغم رفض العديد منهم الخضوع للعلاج.
ورغم أن “ن” تشير إلى أن عناصر “غاضبون” و”ملوك الاشتباكات” يعانون من أزمة ثقة في المجتمع وحتى من بعض المعنيين بالعمل الثوري، فإن “ع” المنتمي “لغاضبون” يؤكد أن الصورة النمطية لهم كمتمردين على كل شيء غير صحيحة؛ فبعض أعضاء هذه المجموعات يتسمون بوعي سياسي كبير، وكانوا جزءا من لجان المقاومة.
ويقول “ع” “كل ما هنالك أن هؤلاء الشباب ضحايا إحباط وسقف عال من الآمال وانكسار الطموح والشعور بضياع حقوق رفاقهم الشهداء”.ض