علاقات السودان الخارجية ..الإمارات نموذجا
بقلم وجدان البحيري
عندما هبطت الطائرة الأماراتية بمطار الخرطوم الدولي مارس الماضي وهي تحمل 30 ألف جرعة لقاح كورونا إلى الشعب السوداني، لم تكن إلا تعبيرا صادقا عن متانة العلاقات بين البلدين، تم إرسالها في وقت يحتاج فيه المواطن الإماراتي إلى تلك اللقاحات .
العلاقات بين الحكومة الانتقالية ودولة الأمارات العربية شهدت تطوراً كبيراً في مختلف المجالات، ظلت الأمارات ترسل جسوراً جوية إلى الخرطوم في الأزمات التي يمر بها .
زيارات متواصلة:
رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان زار الأمارات ضمن الدول الأولى التي اختار زيارتها عندما كان رئيساً للمجلس العسكري الانتقالي، وكررها مرة ثانية بمعية رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، وثالثة خلال الحوار بين الولايات المتحدة والسودان لرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب .
ولم تنقطع زيارات البرهان إلى أبوظبي وزارها في التاسع من مايو الماضي، وتعتبر الزيارة الثالثة له خلال عام. وفي مارس الماضي زارها نائبه محمد حمدان دقلو لحضور معرض الدفاع الدولي، والتقى بمسؤولين أماراتيين على هامش الزيارة .
مطلع يناير زار رئيس الوزراء عبد الله حمدوك الأمارات لمدة أسبوع لإجراء فحوصات طبية، والتقى خلالها بمسؤولين أماراتيين، ونهاية مارس الماضي زارت وزيرة الخارجية الأمارات ،يرافقها وزير العدل نصر الدين عبد الباري، وزير الدفاع يس إبراهيم ووزير العدل، ونائب مدير جهاز المخابرات العامة أحمد إبراهيم، ورئيس مفوضية الحدود معاذ تنقو .
مساعدات إنسانية:
مراقبون أشاروا إلى أن العلاقات بين السودان والأمارات في تطور مستمر، لافتين إلى أنها في مجالات كثيرة، كان آخرها تقديم جرعة لقاحات مصل كورونا، في الوقت الذي يحتاج فيه الشعب الأماراتي للقاحات .
وكان سفير الأمارات بالخرطوم حمد الجنيبي قد أرسل 30 ألف جرعة لقاح للشعب السوداني، مشيرا إلى أنها ضمن جسر جوي بين أبوظبي والخرطوم، لافتا إلى أن بلاده انشأت المستشفيات والمراكز الصحية بعدد من الولايات بالسودان .
الدعم الأماراتي لم يقتصر على الجانب الصحي فقط، بل تعداه إلى جوانب أخرى، العام الماضي قدمت أبوظبي دعما عاجلاً لمتضرري السيول والفيضان شمل عدة مناطق، وكان بتوجيه من الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، ومتابعة الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان ممثل الحاكم في منطقة الظفرة ورئيس هيئة الهلال الأحمر الأماراتي، وسبق أن قدمت الأمارات دعماً في هذا الجانب في العام 2013م تمثل في مساعدات إنسانية للمتضررين، وكذلك في العام 2018م .
رئيس حزب الأمة القومي فضل الله برمة أشار إلى أن الأمارات لها مكانة خاصة في قلوب السودانيين ولم تنقطع عن مساعدتهم منذ فجر الاستقلال، وقال إنها وقفت بجانب السودان وقدمت مساعدات إنسانية ومساعدة للجيش وغيرها من المجالات .
برمة لفت إلى العلاقة المتميزة بين حزبه ودولة الأمارات، وقال إنها استقبلت الإمام الصادق المهدي عندما رفضت مصر استقباله، كما أنها أرسلت طائرة خاصة لعلاج الإمام الصادق المهدي بأبوظبي .
كتاب مُنزل؟:
رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان في آخر زيارة له لأبوظبي ناقش القضايا ذات الاهتمام المشترك، بالإضافة إلى قضية سد النهضة، والنزاع الحدودي بين السودان وإثيوبيا حول منطقة الفشقة .
وكانت دولة الأمارات قد قدمت مبادرة الفشقة لإنهاء التوتر الحدودي بعد أن حشدت الدولتان قواتهما على الحدود، وبحسب المبادرة فإن السودان يستثمر 40% من الأرض ومثلها للأمارات، فيما يتم تخصيص 20% من أراضي الفشقة للمزارعين الإثيوبيين .
وزير الري ياسر عباس اعتبر أن المبادرة هي صيغ استثمارية وفق القوانين السودانية في أراضي الفشقة، وقال “ستكون هنالك استثمارات من الأمارات والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي، بحيث يساهم سد النهضة في توليد الكهرباء من إثيوببا، ويساهم السودان بالاستثمارات الزراعية لتوفير الغذاء لإثيوبيا، لكن عضو مجلس السيادة الانتقالي مالك عقار كان أول من أعلن رفضه للمبادرة واعتبرها تقسيما لأرض البلاد .
وفي الثاث والعشرين من مايو الماضي أخطرت الأمارات الخرطوم رسميا بسحب مبادرتها، بعد أن نظم رافضو المبادرة وقفة أمام السفارة الأماراتية بالخرطوم .
رئيس مفوضية الحدود د. معاذ تنقو قال إن المبادرة الأماراتية حول الفشقة بها خير كثير للسودان والمنطقة، لكن تم رفضها، وأضاف ” كان يمكن التفاوض حول المبادرة، لأنها ليس كتابا مُنزلا” .
تنقو قال “تم رفضها من قبل أصحاب الأجندة، وآخرون عارضوها دون فهمها وهذا غير صحيح” .
سياسة المحاور :
محللون سياسيون اعتبروا أن سودان ما بعد ثورة ديسمبر حقق نجاحا كبيرا في فك العزلة التي عاش فيها خلال النظام السابق، مشيرين إلى أن ما يُحسب على الحكومة الانتقالية رغم المعاناة الماثلة الآن هو نجاحها في ملف العلاقات الخارجية، رغم الشكوى المتكررة من بعض مكونات قحت بسيطرة المكون العسكري على هذا الملف .
السفير الرشيد أبو شامة يذهب إلى أن السودان عاد إلى المجتمع الدولي وهذا وضعه الطبيعي، وقال “بفضل ثورة ديسمبر سقطت كل القيود الحديدية التي جعلته معزولا تماما عن العالم الخرجي”، مشيرا إلى ضرورة ابتعاده عن سياسة المحاور وأن يعتمد على علاقات المصالح المتبادلة. وشدد على ضرورة أن تظل العلاقات بين الخرطوم وأبوظبي متميزة لأسباب كثيرة من بينها وجود نحو مليون سوداني هناك، استقبلتهم دون ضجر.
أبوشامة لفت إلى أن السودان أرسل بعض القوات لحرب اليمن، وبهذا الموقف كأنما أراد أن يقول إنه يهمه أمن واستقرار الأمارات، وتأكيدا منه على إقامة علاقات طيبة بين الخرطوم وأبوظبي .
غير مسؤولين :
مراقبون سياسيون أشاروا إلى أن منسوبي النظام السابق يعرقلون تطور العلاقات بين البلدين، وحرضوا المواطنين على رفض المبادرة الأماراتية حول منطقة الفشقة، كما أنهم قللوا من الدعم المالي الذي قدمته أبوظبي للخرطوم في وقت سابق، وقالوا إن أنصار المخلوع يعملون بقوة على توتر العلاقات بين الخرطوم والعالم الخارجي وليس الأمارات فحسب.
آخرون رأوا أن بعض مكونات قوى الحرية والتغيير تعتبر أن أبوظبي تتدخل بشكل سافر في الشؤون الداخلية للبلاد، ويطالبون بحسمها، الأمر الذي أحدث توترا مبطنا بينها والأمارات، وربما يظهر للعلن إذا استمرت تترصد كل ما تقدمه الأمارات للسودان من دعم مالي ومساعدات انسانية .
رئيس حزب الأمة القومي فضل الله برمة ناصر أشار إلى أن انصار الرئيس السابق حرضوا المواطنين على رفض المبادرة، وذهبوا أبعد من ذلك بالدعوة لوقفة احتجاجية أمام سفارة السفارة الأماراتية بالخرطوم، وقال إنهم غير مسؤولين ولا تهمهم مصلحة السودان ويقدمون مصلحتهم على مصلحة الوطن .
مشاريع إماراتية:
وبحسب تقارير إعلامية سابقة فإن حجم الاستثمارات الأماراتية بالسودان تقدر بـ(7) مليارات دولار أغلبها في مشاريع زراعية، وفي وقت سابق اتفق مسؤولو البلدين في خلال مباحثات مشتركة بالخرطوم على إنشاء مشاريع في عدة مجالات من بينها الكهرباء والسكة حديد والبنى التحتية بمعايير عالمية .
محللون اقتصاديون أشاروا إلى أن الأمارات تتمتع باقتصاد قوي، يمكن أن يساعد السودان في حل المشاكل الاقتصادية التي يواجهها الآن ، بل وتزداد سوءا يوم بعد الآخر، داعين إلى أن بناء علاقات وفق المصالح المشتركة أمر مهم ، والي جذب الاستثمارات .
الخبير الاقتصادي محمد الناير إن الأمارات دولة غنية وطموحة وتسعى لإنشاء مشاريع ضخمة بالسودان، بالتالي توظف نسبة مقدرة من العمالة السودانية في تلك المشاريع، وأضاف :لكن لم تقدم مشاريع جديدة، ولا بد أن يكون جذب الاستثمار وفق قوانين الاستثمار السوداني، مشيرا إلى أن بنك أبوظبي للتنمية أكتوبر العام الماضي قدم مبلغ (556.5) مليون دولار للسودان تشمل دعما ماديا ونقديا، فيما أودع مبلغ (250) مليون دولار لدعم السياسات المالية والاستقرار المالي .
تعامل بابتزاز :
تحليلات تُشير إلى أن بعض الكيانات تتعامل مع الأمارات بابتزاز، لكن رئيس حزب الأمة القومي فضل الله برمة أكد لـ() أن الأمارات دولة قوية ومنضبطة وثرية، بالتالي لا يمكن أن يتم ابتزازها لأن المال من أهم عناصر القوة، وأضاف “الأمر فيه إساءة للأمارات وهي دولة محترمة، وهذا الأسلوب يتم استخدامه مع الدولة الضعيفة وليس القوية، مشيرا إلى أن الأمارات تتعامل مع الدولة بصورة رسمية وليس ككيانات، وقال إن العلاقت الخارجية يتم التعامل فيها بمبدأ (كاسب كاسب) وندية .