(بُعْدٌ .. و .. مسافة) .. مصطفى ابوالعزائم .. شبح الرئيس… !
لم يعد أحدٌ مؤهّلاً لأن يلعب في عصرنا هذا دور الرئيس المُلْهَم ، صاحب القرارات الصائبة التي لا يأتيها الباطل من أمامها أو من خلفها ، فقد إنتهى عصر الشّخصيات الأسطورية التي يعنيها الإعلام الموجّه ، فقد إنفتحت (طاقات) من الفضاء ، تحمل كُلّ يومٍ جديداً للناس ، في كل مكان ، بعد أن كانوا أسرى شاشة واحدة ، ومحطة إذاعية لا تبث إلا نشاط الرئيس القائد الملهم ، وصحبه الكرام.
الزعيم الحقيقي الآن هو فِكْر الرئيس وفعله ، فالفكر القائم على القيمة الأخلاقية العالية ، والمرتبط بالفعل والأداء الفردي والجماعي لمعاوني الرئيس في حكم الدولة ، هو (الزعامة) الحقيقية التي تثبِّت من أقدام الحُكْم والحاكم ، وهو ما يعزّز من السّلطة (الحقيقيّة) و (المعنويّة) للرئيس أو حزبه أو جماعة في الدولة .
لكن للأسف الشّديد ، فإن بعض الدول ، أو بالأحْرَى بعض منظومات الحُكْم في عدد من دول العالم ، مازالت أسيرة ذلك (الماضي القريب) ولازالت تعيش – كما يقول المغني – في (ماضي الذكريات) ، وتحاول أسر الشّعوب معها بأن تظلّ داخل نفس الدائرة .
أنظمة (عبادة الفرد) إلى زوال ، لكن (الجماعة) التي حول (الفرد) ، لا تريد للفرد أن يزول ، حتى وإن ذهب به الموت إلى باطن الأرض ، وتحاول هذه الجماعة جاهدة أن تجعل من (الفرد الغائب) ملاكاً حارساً للنظام من بعده ، وتحاول (شيطنة) كل خصومه وهو ميّت مثلما كان الرئيس الغائب نفسه يعمل على (شيطنتهم) وهو حي.
في ذهني الآن صورة قاعة قصر المؤتمرات الكبرى بالعاصمة الكوبية «هافانا» في سبتمبر من العام 2006 م ، للمشاركة في تغطية أعمال القمة الرابعة عشر لحركة دول عدم الإنحياز التي شارك فيها السّودان ، بوفد رئاسي عالي المستوى قاده المشير عمر حسن أحمد البشير ، رئيس الجمهورية السّابق ، ضمن قادة وممثلي (118) دولة هي دول الحركة ، مع حضور (35) دولة بصفة مراقب ، وكانت هي المرة الأولى والأخيرة التي أشاهد فيها الرئيس الفنزويلي الراحل «هوغو شافيز» الذي كان أحد نجوم تلك القمة ، خاصّةً عندما جاء دوره الخطابي عقب إلقاء الرئيس الأمريكي الأسبق «جورج بوش» لخطابه ، فقد قال «شافيز» بطريقة مسرحية : (إنني أشم رائحة الشّيطان ، لقد كان هنا ، ورائحته لم تزل في هذا المكان) .
في تلك اللحظات شعرت بأن «شافيز» قد قضى على كل ما حاول أن يبنيه من دور عظيم في إختراق وتحطيم جدار الحصار الأمريكي ، وفي بلورة تحالف قوي مع بوليفيا وكوريا الشّمالية وإيران وسوريا ، وجعل قمة كوبا منعطفاً جديداً على درب التطور والصراع في مواجهة العدوانية الأمريكية ، والدفاع عن الشعوب ومصالحها الحقيقية وحقها في السّيادة والحرية والتطور الخلاق.
كانت تلك محاولة (شيطنة) حقيقية للولايات المتحدة الأمريكية التي جعل منها الإمام الخميني (الشّيطان الأكبر) لمواقفها من الثورة الإيرانية ، لكن محاولات الشّيطنة وحدها لن تعمل على تشويه صورة واشنطن لدى عدد من الدول ذات الإرتباط بالبيت الأبيض.
مات «شافيز» ورحل عن ظاهر الأرض إلى باطنها ، وجاء من بعده نائبه «نيكولاس مادورو» ليصبح رئيساً لفنزويلا ، أي ذهب الرئيس الفرد وجاءت جماعته لتحكم ، وكان إعلام الرئيس الراحل يصوّره كأنما هو قديس أو ملاك مقابل (الشيطان الأمريكي) وأراد الحاكمون بعده ، أن تظلّ صورته مقدّسةً لدى العامة ، فقد قال الرئيس «مادورو» بعد رحيل الرئيس بفترة ، في التلفزيون الفنزويلي إن خيال الرئيس الراحل «هوغو شافيز» تجلّى فيما يشبه المعجزة لمجموعة من العمال في موقع للبناء تحت الأرض ، عندما كانوا يمدّون خطّاً لمترو الأنفاق في العاصمة «كراكاس» وقال – دون أن يطرف له رمش إن العمال صوّروا بهواتفهم المحمولة صورة «شافيز» حيث تجلت على الحائط لفترة قصيرة ، ونحن لا نعلق على ما سبق سوى بجملة (رحل الرئيس لكن أشباحه مازالت تحكم).
Email : sagraljidyan@gmail.com