مقالات

بيرتس!شِّدِق ألَّميِ وشِّدِق دَقيق !!فهل يَسْتَقِيمُ الحَال؟! فاطمة لقاوة

فولكر بيرتس الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في السودان ،ورئيس بعثة اليونيتامس،الذي سُمعتِه تسِبِقهُ !وهو أحد أركان تأجيج الصراع المُحتدم في سوريا إلى يومنا هذا ،شاءات الأقدار أم مُخطط له ، بأن تكون وجهته الثانية هي السودان بعد أن صادق رئيس الوزراء المستقيل وطاقمه الوزاري المُقال على الموافقة بدخول الأمم المتحدة تحت بالند السادس بُحجة دعم التحول الديمقراطي في البلاد!وما إن وطأت قدماه أرض السودان تسارعت خُطى الخِلافات بين شُركاء الفترة الإنتقالية وطلت علينا وقائع ٢٥إكتوبر التي قال عنها البُرهان :(أنها خطوات تصحيحة من أجل إستعادة المسار الديمقراطي الذي أختطفته بعض الأحزاب).
صحيح أن الشعب السوداني إستبشر خيراً بنجاح ثورته وظهور عبدالله حمدوك على كابينة قيادة سفينة السودان إلا أن البشريات لم تُدوم كثيراً وحمدوك لم يحسن إدارة حركة السفينة نحو المرسى الآمن فأدخلها في مطبات سياسات البنك الدولي ذات الشقين-(الشق الإقتصادي المُجحف ،والشِق السياسي الذي لم يُفصح عنه بعد ،وقد يتم تطبيقه فرضاً على الشعب السوداني بعد خنقه بالضائقة الإقتصادية المُفتعلة الآن)- دون أن يضع أدنى الترتيبات الداخلية التي تُخفف وقع المعاناة على كاهل الشعب الذي أنهكته سنين الإنقاذ وصراعاتها وعُزلتها التي حولت إقتصاد الدولة السودانية إلى إقتصاد حرب وإنعكس بدوره إلى ضعف عام في كل قطاعات الدولة الحيوية التي باتت مشلولة .
معروف أن أي صراع سياسي لم تنجح الطُرق السلمية في وضع حلول ناجعة له ،قد يتطور إلى صراع مُسلح ومواجهات بين الأطراف المتصارعة ،وهذا ما لجأت له القوى السياسية في السودان منذ الإستقلال الذي جاءا متزامن مع أول بوادر تمرد في جنوب السودان (أحداث توريت الدامية قبيل الإستقلال)،ولم تنجح الحكومات الوطنية المتعاقبة في معالجة أسباب الصراعات ،وظلت جميع القوى السياسية السودانية غير مكتملة الإرادة السياسية -(نظام سيدي بسيدا)- فالأحزاب العقائدية جميعها لها ولاء خارجي معروف (حزب الأمة القومي ولائه لبريطانيا لذلك كان يرفع شعار السودان للسودانيين ،والحزب الإتحادي الديمقراطي ولاءه لمصر وكان الشعار الذي تبناه هو شعار وحدة وادي النيل ،بينما الأحزاب اليسارية التي لم تُخظى بقاعدة جماهرية ليومنا هذا فقد ظل ولاءها مربوط بمصالحها مع الدول الغربية عموما وفي بعض الأحيان مع بعض الدول الأفريقية والعربية ؛أما الحركات المسلحة فشأنها آخر وما حادث إغتيال جون قرنق إلا أُذنين جمل للتقاطعات الإقليمية والدولية في المنطقة لم يظهر بأكمله بعد).
كذب من ظن أن ثورة ديسمبر هي ثورة سودانية خالصة دون أجندة خارجية ،وما يحدث في السودان الآن مؤشرات تؤكد أن هناك آيادي خارجية متقاطعة تتسابق في إحكام آياديها على مفاصل خيوط اللعبة في السودان ،ولنكون أكثر شفافية ووضوح :هناك معسكر الغرب بقيادة إمريكا ومن معها ،بينما المنافس لها محور آخر بقيادة روسيا وحُلفاءها ،ولكل محور مصالحه العُليا يسعى لتحقيقها وكسبها والمحافظة عليها ،بينما هُناك قوى أكبر من هاتين القوتين هي قوة الله وإرادته التي نؤمن بها كمُسلمين ،وقد ينظر لها الآخرين بأنها لُعبة قدر قد تخدم طرف ما دون الآخر وترجح كفته إذا أحسن وأجاد الحسابات الدقيقة التي تمكنه من النصر،وما قِصة القائد العسكري (مونتغمري) في القاهرة بعد ما وضعه القدر على رأس قيادة جيش الحُلفا عندما مات القائد جوت حرقاَ في الطائرة ،وقال مونتي قولته المشهورة في القاهرة”أن أوصف بالمتمرد على القوانين العسكرية أفضل علي بكثير من أن أضيع وقت قد أستطع من خلاله إنجاز نصراُ ما” وخاطب الجنود الذين كانوا يعيشون وضعاً مأسوياً ،قائلاً:”أننا سنبقى هنا أحياء أو أموات”قاطعاً الشك على الجميع ،ثم بدأ في التدريبات ووضع الخُطط وتعزيزها بكل حسم لإدارة معاركه الجانبية التي حُسمت بمعركة《العلمين》الفاصلة التي أحدثت تحولاً تاريخيا كبيراً وإنتصر فيها جيش دول الحُلفاء على جيش دول المحور وأنهى فيها مونتيغمري إسطورة روميل الملقب ب<ثعلب الصحراء> ،وأصبحت خُطط مونتي مرجعيات لباحثي الفِكر الإستراتيجي العسكري 👉🏾فهذا دلالة على أن إستغلال ثغرات الأقدار قد تُحقق أهداف ومكاسب تغير مجريات التاريخ. .
فولكر في حديثه اليوم أمام مجلس الأمن لم يتعامل مع قضية السودان بصورة إستراتيجية ،ولم يتناول الشأن السوداني بمنظور البحث الجاد لحلول تجنب البلاد الإنزلاق في هاوية الصراعات والحروب الأهلية التي قد يتضرر منها المجتمع الدولي برمته أكثر من تضرر الشعب السوداني ،وما قدمه فولكر من حديث هو بمثابة (مديدة حرقتني منو بكشحها مني )التي يستخدمها أطفال السودان عندما يجمعون على إفتعال معركة مع طرف آخر ،وما قاله من حديث عن حالات الإغتصاب التي ذكر بأنها مجرد اقوال واردة ولم يتأكد من صحة العدد وتوقع بأنه قد يكون أكثر ،وقوله بأن المتظاهرين يتعرضون إلى العُنف المُفرط،ما هو إلا إسلوب تحميش من أجل تقليم أظافر القوات الأمنية السودانية وإظهارها في ثوب الضعف والتردد الذي قد يقود إلى المزيد من السيولة الأمنية وإنفلات الأوضاع تمهيداً إلى إندلاع صراعات وحروب قد تقضي على الجميع ولن يتوقف مداها قريب.
وفولكر و الدول ال١٥ التي حضرت عقد الجلسة جميعهم يعلمون أهمية الآمن القومي لأي دولة ذات سيادة ،وهناك دول كبرى تخوض حروب خارج نطاقها الجغرافي بزريعة حِفظ أمنها ومصالحها – حرب العراق وليبيا وسوريا وأفغانستان و…..الخ- لذلك جاء الوقت الحقيقي للقيادة السودانية أن تتخذ خطوات أكثر جدية وتثبت معنى أن يكون السودان دولة ذات سيادة ،وعلى الأحزاب السودانية والنُخب والشارع السوداني وشبابه الثائر أن يفرقوا بين الوطن الذي الآن بين أن يكون أو لا يكون، وبين الغُبن الشخصي والمصالح الحزبية ،وعلى الجميع الإصطفاف من أجل السودان لا سواه ،
ما يقوم به بيرتس ما هو إلا حكاية :(شدق دقيق وشدق ألمي)وقد لا يتحمل هذا الوضع كثيرا ،اما أن يختلط الدقيق بالماء او أن ينشرق فولكر ويموت خنقا.

إنضم الى مجموعتنا على الواتس آب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى