فضل الله رابح يكتب في ( الراصد) .. إنسانيــون في روب القانون ..
لقد تعاملت مع قطاعات مهنية واسعة في المجتمع فوجدت غالبيتها يتمسك بهويته المهنية سلوكا حرفيا بل بعضهم قد أحدث تشوهات علي مهنته سيما بعد تغلغل السياســة علي مهن حساسـة مثل الطب وأزالة عنها حصانتها المتمثلة في المقولـة التي رسخت عند الناشئـة : ( الطب مهنة إنسانيـة ) مع الإضطرابات السياسية وعصيان الأطباء وإستجابة بعضهم للنداءات السياسية لم يعد الطب مهنة إنسانيـة بات مهنة متاجرة سياسية وقد نزعت عنه الصفة التي كانت تطلق علي كل من يزاول مهنة الطب ويلبس مرايله وروباته البيضاء بإعتباره يؤدي دوراً أخلاقيـاً رفيعاً .. وبالمقابل كثيرون ينظرون لمهن مثل القانون أنها مجرد ظواهر سياسية وجدلية داخل قاعات المحاكم لكن صدقا من يتعامل مع قانونيون مهذبون ومتواضعون أمثال مولانا ـ أحمد إبراهيم الطاهر والسفير ـ الدكتور ـ الدرديري محمد أحمد والسفير ـ الدكتور ـ سراج الدين حامد ومولانا عواطف الجعلي والدكتور ـ عبدالله محمد درف سيدرك أن القانون هو أم المهن الإنسانية إذا أخذ بحقـه كمنتج للتغيير الإجتماعي ونشوء الوعي جراء الأخذ بالوسائل التي تخدم الأفكار والإنسانية وتبصر الجميع بحقوقهم وواجباتهم قبل ما ينظر إلي عائده المادي وعمولاته .. شخصيا كلما زرت مولانا ـ أحمد إبراهيم الطاهر بمكتبه إلا وخرجت منه مشبعا بالقييم الإنسانية ومع ذلك إما أهداني كتابا أو فكرة وإما منحني شعورا بالثقة والإطمئنان والثبات في زمن القناعات المشتتة الذي نعيشه .. وبرغم وفرة علمه وفكره وعمق تجربته التأريخية لكنه كلما أنتج فكرة أو كتب مقالا برني بنسخة منــه قبل الطبع .. هذا الرجل كتب في التجربـة البرلمانيـة السودانيـة والسلام وآليات تحقيقه والإستقرار الدولي والتعاون الدولي وكيفية حصد ثماره فهو أكثر الإسلاميين واقعيـة وهدوءا ولا يميل للصراعات السياسية العقيمة .. أما الدكتور ـ عبدالله درف فإنه فتح قلبـه قبل مكتبه لكل المستضعفين وأصحاب الحاجات وظل مكتبه ممرا لعودة معظم المفصولين تعسفيا الي وظائفهم .. لقد شهدت لـ ـ درف أنه كان معينا إنسانيا لكل الذين شردتهم لجنة التمكين وفككت أسرهم وفصلتهم من وظائفهم دون تثبت ولا مراعاة لتأثيرات الفصل الإنسانيـة والتصدعات الإجتماعية التي يخلفها .. أما سراج الدين حامد هذا الدبلوماسي الأنيق الذي يشبه في زيــه المميز وتصفيف شعره الهنود التكنوقراط فهو من أكثر الشخصيات السودانية إستيعابا لنشاط المنظمات الدولية وتأثيراتها علي الشعوب فهو ليس من الذين يجيدون الجدل النظري فحسب لكنه فاعلا في جنيف وغيرها حيث تدور رحا صراع المنظمات ومعلوم هي ذراع الإستعمار ومخلب الحرب الباردة الناعم .. سراج مع إدراكه لنظريات توازن القوي الدولية وتوازنات التهديد إلا أنه لديه تفسيرات خاصة ( مفهوما وواقعيا ) للتعامل مع المجتمع الدولي وطرائقه ومع إهتمامات سراج بالشأن الدولي سيما الجنائية ومحكمة العدل الدولية إلا أنه لم يغفل الشأن المحلي فقد إنخرط في تولي الدفاع عن زملائه الدبلوماسيين الذي شوهت سمعتهم لجنة التمكين وأمسك بملفات الدفاع عنهم هو وآخرين حتي أنصفتهم المحكمة العليا بقرار بطلان قرارات اللجنة وأمرت بعودتهم .. سراج يتدفق علما ومعرفة وتواضعا فهو رجل يفيض إنسانية .. سراج يجيد الإستماع وصاحب مقدرة فائقة في صياغة المذكرات ولملمة أطراف الحديث المتناثر .. أما السفير الدكتور ـ الدرديري محمد أحمد بن باديـة المسيريـة الرجل المتخصص في التحكيم الدولي وأستاذه لطلاب الدراسات العليا بجامعــة الخرطوم فقد حصل علي هذا التخصص من بريطانيا في زمن شكل فيه المجتمع الدولي ومنظماته حصارا وندرة معرفية في دراسة هذا المجال وهو حصار مقصود به كل من يريد التعمق في التخصص حتي لا يكون العالم الثالث تحديدا لديه قدرة في معرفة ماهي أدوات ومخالب الصراع الدولي ومداخلها وحتي لا يكون من بين كفاءات العالم الثالث من هو يمتلك القدرة علي التحليل والتكييف القانوني في العلاقات الدولية وماهي العلاقة ما بين العوامل المحلية والدولية والإعتماد المتبادل بينهما في صناعة الأزمات بين الدول ـ أبيي ـ إنموذجا .. الدرديري رصين اللغة ومبين الحجة و مع كل مشغولياته المحلية وتواصله الإجتماعي والإنساني مع الجميع إلا أن إسهاماته وكتاباته وتنويراته في الشأن الدولي لم تنقطع وآخرها مقاله الرصين والذي وجد تداولا واسعا حول تدخلات الأمم المتحدة في الشأن السوداني وإنحراف بعثتها بالخرطوم عن مهام منظمة الأمم المتحدة .. الدرديري مكتبه مفتوحا وهاتفه مفتوحا ويرد علي كل متصل فهو رجل متفاعلا شعبيا وليس بروقراطيا .. ختامه مسك مولانا ـ عواطف الجعلي المرأة الحديديـة .. هي العقد الناظم ودينمو توزيع الأدوار ونصير الذين لا يكاد يبين حديثهم .. عواطف إنسانية بمعني الكلمة فهي لا تعرف العمل في البيئة التنافسيـة الحادة فهي تعمل بحسن النوايا واليقين .. يأتيها الجميع كل حسب دوافعـه و الجميع يخرج منها وكل قد قضي مسألته إن كانت قانونية أو إنسانية أو نجدة حين مظلمة .. عواطف شديدة وقت الشدة ولينة وقت اللين ولا تعرف إخفاء نواياها وتفاعلاتها الداخلية لكن قلبها أبيض من ثوبــها .. عواطف لا تعرف إيذاء الآخرين وتحطيمهم بل تجدها كثيرا ما تأخذ بأيادي الكثيرين من المحاميين الشباب لأجل رفعتهم مهنيا .. شكرا أيها القانونيون الرائعون فقد جعلتم مقولة القانون مهنة إنسانية تأخذ مكانتها لا في المجال المفهومي ولا في مجال التداول العام بل بقيت سلوكا عشناه عمليا متعكم الله بالصحة والعافية وجعلكم ذخرا لوطنكم وأهله ..