أعمدة

د.عبدالله فتحي يكتب في ( نصف كوب) .. إلى أين ؟!

رشفة أولى :

الجوع والخوف هم أقوى أسباب تداعي المجتمعات وفقدانها للإستقرار وتعرضها للضعف و التفكك والإنهيار.
( الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ).

رشفة ثانية :
تمام الساعة الثانية ( ظهرا) و(الشمس فوق) . في موقف جاكسون بالسوق العربي.الخرطوم. بينما اسير وسط الموقف سمعت فتاة تصرخ وتبكي ( حرااميييي . سرق موبايلي) وهى تشير إلى شاب يجري في سرعة وهو يميل يمنة ويسرة يبحث عن إختفاء في مساحة الموقف الخالية.. دون أن أشعر انطلقت خلفه بسرعة فدخل وسط الزحام فدخلت خلفه وتوجه إلى جنوب الموقف واختفى في مباني متداخلة تحت التشييد خالية.. بحثت عنه.. وجدته واقف وسطها منتظرني وهو يغطي وجهه مني.. فجذبته من يديه وانا أسأله ( أين الموبايل؟) فرد صوت من خلفي ( ياهو ده الموبايل .. فك الزول ده!) وفعلا كان يمسك الموبايل في يده وهو يجري تجاهنا فقد أوقعه خلفه قصدا ليأخذه زميله، وصلت الفتاة ومعها عدد من الشباب رواد الموقف والعاملين فيه فأعطاها الموبايل ، وظهرت مجموعة معه خرجوا من فتحات المباني وأخذوا يصرخون وهم ينظرون إلى في غضب:( الليلة ماحانخليك ياعمك! ) وأمسك أحدهم بأطراف قميصي يجرني إلى داخل مبنى من المباني الخالية وتعلق آخر بحقيبتي واخذ ثلاثة منهم حجارة كبيرة في أيديهم وهم يلوحون بها ويصرخون في الفتاة ومن معها :( زحوا من هنا .. يلا امشوا .. واااااي).. تقسيم أدوار يجعلك توقن تماما انك أمام عصابة محترفة تمارس هذه الجريمة كمهنة وبانتظام دون رادع أو رقيب ، وعلامات الندوب العميقة والجروح القديمة ولهجتهم البذيئة يجعلك تفهم أنك أمام معتادي إجرام من الدرجة الأولى .. لم يستجيب الشباب الشجعان لصراخهم ولا الفتاة الشجاعة بل أخذوا يقولون لهم في اسلوب مابين الطلب والغضب وهم يجذبونني اليهم :( الحرامي خليناهو ليكم .. فكوا الزول ده ).. ودهشتي من تركيزهم علي تحولت إلى غضب شديد فنزعت يدي منهم بعد أن تمزقت أيدي القميص الاثنتين ولم أتفوه بكلمة منتظر ومتأهب لهجوم اول واحد منهم.. تخوفوا منا .. تراجعوا وهم يتوعدوني بكلمات ونظرات شذرة.
خرجنا ومعنا الموبايل وجمهور وجدناه ينتظرنا خارج المباني وكل واحد منهم يعلق ( انكتب ليك عمر جديد) ( مافي زول بخش هناك بجي طالع مامعوق ) ( مالك ومالهم ياخ .. الموبايل يطير) ( البلد دي بقت هملا.. اعمل حسابك شديد)..(الله لا قطع المروءة).. وأنا أسمع في صمت وقلق ، وهم يعتصرني وأسئلة تدور في ذهني: ( ترى كم فتى وفتاة تعرضوا لمثل هذا الموقف؟ ولماذا قلت المروءة بهذا العدد القليل الذي تبع الفتاة وتبعني داخل المباني المهجورة والموقف يعج بالمئات؟ أين الشرطة والأمن من هذه العصابات الإجرامية التي تمارس السلب والترويع في قلب العاصمة وعلى بعد كيلومترات معدودة من القصر الرئاسي؟ إلى أين يقودنا هذا الوضع الفوضوي المأساوي غير الآمن بعد هذا ؟ إلى أين؟).

رشفة آخيرة :

بعد كل الذي حدث ذهبت وقدمت محاضرتين في مادة ( الرأي العام ) وقد ( كفكفت) الأيدي الممزقة إلى الداخل ولم أحكي للطلاب ماحدث خشية أن اثير رعب في قلوبهم .. لكني شعرت بدواخلى مطمئنة لعودة الموبايل إلى صاحبته التي شكرتني واعتذرت وهى تمشي من خلفي وأنا مسرع للحاق بزمن المحاضرة، وأشعر في نفسي برضا وضميري تغمره راحة وهدوء.. و.. معاكم سلامة.

إنضم الى مجموعتنا على الواتس آب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى