مصطفى أبو العزائم يكتب في (*بُعْدٌ .. و .. مسَافة) .. “عباس. أ. النور” في دائرة الضوء والنور ..
قبل ست سنوات ونيف ، رحل الأستاذ “عباس إبراهيم النور” عن دنيانا في صمت نبيل ، يليق برجل عظيم قدّم الكثير لبلاده دون منّ أو أذى ، ودون أن يتاجر بذلك على الملأ أو حتى يخرجه من أضابير مكاتبه التي تعددت وتنوعت موسوماً بعبارة (سرّي للغاية) .
رحل السّفير والقانوني والنائب البرلماني والمناضل الجسور “عباس إبراهيم النور” الذي لم أتعرف عليه عن قرب إلا بدايات تسعينيات القرن الماضي في “طرابلس” التي أُبتُعِثَ إليها من قبل “الخرطوم” سفيراً للسودان في الجماهيرية العربية الليبية الإشتراكية العظمى على أيام حاكمها الراحل العقيد “معمر القذافي” وكنت أقول إنني تعرّفت على الرجل متأخراً ، إذ كان لابد لمن يعمل مثلي في الصحافة والعمل العام أن يتعرّف على مثل “عباس” الذي يعمل في السخياسة والعمل العام ؛ هذا غير ارتباطات لم أنتبه لها في حينها ، أو لم أعمل على تفعيلها حقيقة ، هي علاقة الأستاذ “عباس إبراهيم النور” بولاية الجزيرة ، وفي ولاية الجزيرة بمدينة “ود مدني” ، وفي مدينة “ود مدني” بجزيرة الفيل التي لا زال لنا فيها عصب قوي ، هم أبناء عمنا المرحوم “محمد الحسن عبد الرحمن” “صلاح” و”عبد الرحمن” وإخوانهما مع أخوالهم “آل محمد خير” ولم أعمل على تفعيل علاقات قوية بكثير من أهل جزيرة الفيل بود مدني ، ولي فيها أصدقاء كُثُر من أمثال “عبد المحسن بشير طه ” و”بابكر الكابتن ” و”علاء الدين الفنان” ، وغيرهم، لم أعمل على تفعيل تلك العلاقات للإقتراب من الرجل الأسطورة “عباس إبراهيم النور”، إلى أن التقينا في “طرابلس”.. هو سفيرٌ للسّودان ، وشخصي الضعيف يعمل مديراً تجارياً لمؤسسة القدس الإعلامية الكائن مقرها في شارع (محمد المقريف) بعمارة “طاطاناكي”، والتي تقوم رئاستها في “الدار البيضاء” بالمملكة المغربية الشقيقة ، في زنقة توربان بشارع (محمد الخامس) بكازبلانكا او الدار البيضاء ، ولها فرع بالعاصمة التونسية وآخر أقل نشاطاً في العاصمة الإيطالية “روما”.
عرفت السيّد السّفير بداية عام 1991م ، وظروف السّودان الإقتصادية بلغت درجة من السوء لم تبلغه من قبل بسبب الريبة الدولية من التغيير الذي طال الأوضاع السّياسيّة ، ولم تعد في السودان عملات حرة تكفي لتوفير كل مستلزمات إستمرار عمليات إستيراد الضروريات ، وكان بسفارتنا فائض مالي كبير لا يمكن تحويله وهو بالدينار الليبي ، وما كان لي أن أعرف ذلك لولا أن أخبرني السّفير “عباس إبراهيم النور” الذي كان يعاونه عدد من خيرة الدبلوماسيّين والملحقين من بينهم السّادة السفراء “بشرى الشيخ دفع الله” ، و ”أحمد عبد الله إدريس” ، و ”محمد عيسى إيدام” ، واللواء “إبراهيم محمد أحمد” – لاحقاً– والعميد “محمود بشير الناير” وغيرهم من خيرة أبناء هذا الوطن ، وقد طلب إليّ وقتها سفيرنا في “طرابلس” أن أعينه في توفير بعض المستلزمات والأجهزة والمعدّات الضروريّة للسّودان ، بحكم وجودي داخل مؤسسة تعمل في مجال الإستيراد والتصدير ، ولها مكاتب وفروع خارجية ؛ وطلبت إليه أن ينتظر ردي بعد أيام إن كنت سأتمكن من ذلك أو لا.
وكانت العاصمة الليبية مثابةً للثوار ولعدد من قيادات المنظمات الثائرة ومن بينها قطعاً منظمات فلسطينية كان يمثل إحداها صديقنا المناضل والراحل المقيم فتحي عدوان ( أبونضال) ، وقد تعرفت عليه عن طريق الأخ والصديق الراحل الأستاذ “محجوب عمر الننقا” وشقيقه الأكبر الراحل “حسن عمر الننقا” الذي كان يملك شركةً للمقاولات وأعمال البناء ، وقد عرض الأمر على السيّد “فتحي عدوان” الذي ضحك وقال لي: (سلّم لي على “عباس” وانقل إليه دعوتي للغداء معي هو وطاقم السفارة يوم الاثخنين القادم).
سألت “فتحي عدوان” ، إن كان يعرف سفيرنا الجديد ، فضحك وقال لي : (اسأله فقد تدربنا معاً في معسكرات الكفرة والعوينات ، التي كان ينظّمها العقيد “القذافي” لتجهيز مقاتلين لمحاربة إسرائيل). تساءلت في عقلي بأحرف عريضة: (من يا ترى هذا السفير).. وقد أجابت عن ذلك التساؤل أيام كثيرة في “طرابلس”.. ثم “الخرطوم” بعدها عندما اقتربت أكثر من هذا الرجل النادر الذي أحفظ له الكثير، وقد مات وفي قلبه حسرة.. بل حسرات.
غداً نستزيد من سيرة ومسيرة هذا الرجل العظيم .
Email: sagraljidyan@gmail.com