وقيع الله حمودة شطة يكتب في (دلالة المصطلح) .. مبادرة مناهضة الكراهية
تئن بلادنا أنينا شديدا من جراء أزمة تمدد خطاب الكراهية، وتفشي أسباب ووسائل الخطاب العدائي والإقصائي الذي ينطلق من جهالات جاهلية تستند علي عنصر القبيلة والأثنية والجهة، وتصل أحياناً إلي حد اللون والجنس! يتم ذلك في غياب الوعي الجمعي الوطني، والتشظي المفتعل الذي يمارس ليلا ونهاراً ضد الوطن والشعب والقيم والمبادئ، التي قامت عليها بلادنا وتميز بها شعبنا الأبي، ومنها السماحة والمروءة والنجدة والتعاون والتراحم والتواصل، والتلاحم والتداعي عند الملمات والإحن والمحن والكوارث، وفي غياب تطبيق قوانين ولوائح ضبط الخطاب الإعلامي والسياسي الذي انفرط عقدهما، نتيجة تحولات الثورة التي أثبت المواقف والمشاهد والأحوال أنها، بالرغم من أهميتها في التغيير ، وإنحياز القوات المسلحة لحمايتها، لم تكن ناضجة ومؤسسة علي هدي ثوابت ومبادئ وطنية، تراعي حرمة قيم شعب السودان ومثله العليا، إلي جانب حرمة ثوابت السيادة الوطنية والأمن القومي، ووحدة البلاد أرضاً وشعباً.
لقد تمدد خطاب الكراهية، حتي تجاوز مضابط التأدب مع الذات الإلهية والعقيدة، والذوق العام، وكاد يطرق كل باب دون مانع أو عاصم أو حائل،حتي شعر بذلك أئمة المساجد والعلماء والدعاة وطلاب العلم الشرعي والفقهاء، فهبوا للتحذير من التمادي في هذا المنعطف الخطير علي قيم الشعب والبلاد، والثوابت الوطنية، وممسكات الأمن الوطني القومي، فلقد تابعنا ورأينا عددا كبيرا من المساجد تناولت هذه الأزمة ونددت وحذرت منها إستجابة لمبادرة وطنية عظيمة مخلصة أطلقتها منظمة أيادي الخير التي حركت بركة ساكنة ظلت تفوح منها رائحة نتنة تحفر في جذور الثوابت القيمية والعقدية، والثوابت الوطنية لشعب السودان.
لا أحد منا ينكر أن بلادنا تمر بمرحلة حرجة في أيام الفترة الإنتقالية الحالية، بعد الثورة التي فقدت القيادة الحكيمة، والتخطيط السليم المنطلق من إستشعار أهمية وحدة البلاد والشعب، وحماية الأمن القومي، والآداب العامة والأخلاق والقيم التي ظلت مركوزة في وجدان الشعب السوداني، ودليل ذلك التدخلات الخارجية العنيفة في شؤون بلادنا الداخلية، والإستقطاب السياسي والاجتماعي والمناطقي غير الرشيد، وضيق أفق إدارك أهمية الحوار وإحترام القانون، والحقوق العامة والخاصة.
إن خطاب الكراهية الذي أطلقت منظمة أيادي الخير مبادرة من أجل مناهضته ينطلق من تخطيط خطير وخبيث تقوده جهات وهيئات وأحزاب أجنبية ومحلية تعمل علي مخطط تمزيق عري الثوابت الاجتماعية للشعب، وخلق بؤر الصراع الاجتماعي والجهوي، ليلتأم مع صراع التكوينات السياسية والمذاهب الفكرية، لهدم مشروع القيم والثوابت الوطنية، وذلك في غياب مشروع الدولة وسيادة حكم القانون، الذي يلاحق هؤلاء المخربين الذين ترتقي درجة جرائمهم إلي مرتبة الخيانة الوطنية، ونبش ثوابت وممسكات الوحدة الوطنية والسيادة الوطنية.
لقد بدأ مشروع بث سموم خطاب الكراهية باكراً منذ بدايات الثورة، وصار يتمدد كل يوم جديد، ومما لم ينتبه له أن الخطاب بدأ بأهم مؤسسات الدولة والمجتمع، وهي المؤسسة العسكرية والأمنية، التي تشمل القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، وجهاز الأمن والمخابرات الوطنى، والشرطة، ورموز هذه المؤسسة العسكرية والأمنية، والمساجد والعلماء والدعاة ودور الدعوة ، فلما لم يجد زاجزا من القانون التشريعي (العقابي) والقانون الاجتماعي(الضوابط العرفية والتقلدية) تمدد نحو القبائل والجهويات والأشخاص، والقيادات والشخصيات العامة في الدولة والمجتمع، وهذا يؤكد تطور هذه الظاهرة التي غدت الآن أزمة ومعضلة تواجه الوطن والشعب معا، فهل من منتبه؟ وهل من زاجر ورادع؟
إن أحد التحديات العظام التي تواجه البلاد والشعب والفترة الإنتقالية السبات المخيف الذي تخلد فيها التكوينات والأحزاب السياسية التي، ظلت طوال ثلاث سنوات عجاف عاجزة أن تقدم مبادرة شجاعة علي مستوي التنسيقي الجمعي، أو علي مستوي فردي تقود بها البلاد نحو النور، والخروج من نفق الظلام، وخطاب الكراهية الهدام، ومعلوم للقارئ والمتابع الحصيف، أن ضعف الأحزاب في الحكومة والمعارضة معا يعني الكارثة الوطنية، التي تهدد مشروع الدولة الوطنية، والعدالة الاجتماعية، وإنفاذ مشروعات التنمية والإستقرار السياسي، والأمن والسلم الاجتماعي، وهذا ما تعانيه بلادنا اليوم، وفي خضم هذا التهديد يتفشي خطاب الكراهية الذي يجهز علي الجميع.
وكما هو معلوم أن الأحزاب السياسية، تمثل أحد أذرع منظمات المجتمع المدني، وفي غياب دورها التاريخي والحالي تشتد الأزمة وتمور مورا… ويحسن لمنظمة أيادي الخير التي أقدمت علي إطلاق هذه المبادرة الوطنية الضخمة، لإنقاذ مشروع وحدة البلاد والشعب معا من مشروع الهدم، والحرب الأهلية، والتفتيت كحالة وقائية، وهي بلا شك خير من العلاج الذي ستكون له أثار جانبية علي جدران الوطن.
وفي إطار هذا السعي الوطني المخلص تنطلق اليوم الجمعة بضاحية سوبا تظاهرة وتجمع شبابي وطلابي ضخم، لرص مسارات الصف الوطني، لمناهضة خطاب الكراهية، وإخراج الشباب والطلاب من دائرة الصمت، أو التغرير بهم، أو سوقهم بمخطط خبيث نحو الهاوية، وإستعدائهم المبرمج ضد القيم و الوطن والشعب، سيشرف هذه التظاهرة الشبابية والطلابية الكبيرة، والحشد الضخم سعادة الفريق أول محمد حمدان دقلو نائب رئيس مجلس السيادة، قائد قوات الدعم السريع، والوفد المرافق له من قيادات الدولة والأجهزة الأمنية والنظامية والعدلية، حيث يدعم هذه المبادرة العلماء والدعاة وأئمة المساجد، والقانونيون والإعلاميون والصحافيون، وعدد كبير من منظمات المجتمع المدني، والإدارة الأهلية، والشباب والطلاب من الجنسين، وفعاليات المرأة والفئات المجتمعية المختلفة، وهي مبادرة مجتمعية تطوعية إنسانية تقودها منظمة أيادي الخير من أجل وطن آمن مستقر ناهض متماسك ومتوحد ونامي، متسامح أهله.