(تأملات ) ..جمال عنقرة .. صلاح قوش .. البطل الخائن
أعاد الظهور القوي لمدير جهاز الأمن والمخابرات الأسبق والاشهر الفريق أول مهندس صلاح عبد الله، المشهور ب”صلاح قوش” أعاد الرجل إلى سطح الأحداث مرة أخري بأقوي مما كان عليه في أي وقت مضي، وصلاح قوش ظل طوال حياته، لا سيما بعد علو مقامه في جهاز الأمن والمخابرات مثيرا للجدل، ولعل لذلك علاقة بشخصية الرجل التي لا تعرف المواقف الرمادية، وهكذا صلاح منذ أن عرفته عن قرب قبل أكثر من أربعين عاما، وهو كما كانت تقول خالتنا فاطمة بت ريحان يرحمها الله “لا يهمه تلت التلاتة كم” وكما كانت تقول والدتنا الحاجة التومة بت جبارة لها الرحمة والمغفرة “لا شغال بالبناء ولا البناول الطوب” فهو ظل يعبر عن ارائه ومواقفه بقوة وصرامة، دون اعتبار لما يقوله الآخرون، ولا أظن أنه قد وضع أي حساب لزيارته الأخيرة لفريق المريخ قبل مباراة القمة الأخيرة في العاصمة المصرية القاهرة التي انتصر فيها علي غريمه التقليدي الهلال بقذيفتي السماني الصاوي الحارقتين، فانصرف كثيرون عن هذه القمة التي كانت قمة في كل شئ، وركزوا علي الظهور العلني للمهندس صلاح قوش، وذهب كل منه مذهبه.
وكما هو معلوم فإن السودانيين انقسموا في تقييمهم لموقف صلاح قوش من انتفاضة ديسمبر المجيدة، فعلي الرغم من الدور المحوري الذي قام به لإسقاط النظام السابق فإن ذلك لم يشفع له عند الذين يظنون أنهم قد صنعوا الثورة، وهؤلاء هم الذين يقفون وراء حملة المطالبة به، وفي ذات الوقت، وعلي الرغم من أن اسلاميين كثر كانوا من دعاة حملة الإصلاح التي كان قد طرحها الرئيس السابق المشير عمر البشير، وكان صلاح قوش رمحها الملتهب، لكنهم لم يقبلوا دوره في قيادة اللجنة الأمنية لإسقاط حكومة البشير واعتبروه خائنا.
ولست في مقام ترجيح رأى علي رأي، ولكن الثابت والذي لا ينكره إلا مكابر، أن دور اللجنة الأمنية في إسقاط حكومة الإنقاذ أكبر بكثير من دور المظاهرات، ودائما ما أقول أن مظاهرات سبتمبر ٢٠١٣م كانت أعنف بكثير من مظاهرات ديسمبر ٢٠١٨م، الفرق الوحيد أن في ديسمبر ٢٠١٨م انحازت اللجنة الأمنية للمتظاهرين، وفي سبتمبر ٢٠١٣م قمعت السلطات الأمنية المتظاهرين، وللحقيقة فإن صلاح قوش كان هو المحرك للجنة الأمنية، مهما إدعي آخرون غير ذلك، ولم يكن لأحد منهم ذات البعد السياسي والتنظيمي لصلاح قوش، ومعلومة الصلات والاتصالات التي كانت بين صلاح قوش وبين كل قادة المعارضة الفاعلين، ولقد تكشفت كثير من أسرار ولقاءاته ببعضهم، لا سيما اللقاء الأخير الذي ضم الزعيم المعارض الأكبر الإمام الراحل السيد الصادق المهدي، الذي كان قد تحدث عن هذا اللقاء، كما تحدث عنه من أطرافه أيضا الأستاذ محمد وداعة القيادي في حزب البعث، وفي قوي إعلان الحرية والتغيير، ومعلومة لقاءات وزيارات صلاح قوش مع معارضين كثر قبل سقوط نظام الإنقاذ، وكثيرون يتحدثون عن أن صلاح قوش كان وراء فكرة إعتصام القيادة العامة للقوات المسلحة.
وفضلا عن التميز التاريخي والسياسي والفكري لصلاح قوش علي كل زملائه الآخرين في اللجنة الأمنية التي كانت قائمة حتى سقوط نظام الإنقاذ، أو الذين صاروا قادة عسكريين فيما بعد، فإن صلاح وحده الذي كان له إحساس بغدر آخرين له من السياسيين الذين كانوا معه في نظام الإنقاذ، وتحديدا في المكتب القيادي للمؤتمر الوطني، وكان قد تجرع مرارة تراجع البشير عن ما اتفق عليه معهم في اللجنة الأمنية للإصلاح السياسي الشامل، وكما هو معلوم للجميع أن البشير كان قد اجتمع مع اللجنة الأمنية ظهر يوم الجمعة ٢٢ فبراير عام ٢٠١٩م واتفق معهم علي الخروج من المؤتمر الوطني، وحل كل أجهزة الحكم القائمة آنذاك، وتشكيل حكومة قومية انتقالية، وكلف مدير الأمن صلاح قوش للذهاب إلى القيادات الصحفية والإعلامية وإبلاغهم بذلك، وذهب هو لابلاغ المكتب القيادي للمؤتمر الوطني، وفعل صلاح قوش ما كلف به، إلا أن السيد البشير لم يصمد أمام قادة حزبه الذين حذروه من خطورة هذه الخطوة، فجاء إلى القصر الجمهوري حيث كانت القيادات الوطنية السياسية والمجتمعية والإعلامية تنتظر منه خطابا تاريخيا، فإذا به يقدم خطابا اعتبره كثيرون نهاية البداية أو بداية النهاية، ولعل ذلك الذي دفع صلاح قوش، لاختيار الطريق الذي اختاره، وهو طريق وضعه في هذا الموضع العجيب، فرغم أنه قد حقق للمعارضين ما عجزوا عنه بكل الوسائل والسبل، ظل عندهم مطلوبا للعدالة، ورغم أنه انحاز إلى منهج الإصلاح الذي كان ينادي به اسلاميون كثر، لكنه ظل عند كثيرين منهم خائنا لأمانة التكليف.