(فنجان الصباح) .. أحمد عبدالوهاب .. هلا أسعدتم الجموعية، والهواوير، بعفو مجيد، وعيد صلح سعيد. ؟!!!
العفو فضيلة لا يطيقها سوى الكرام.. وصفة لا يتخلق بها إلا السادة الكبار. والقادة العظام. ولذلك فهي خليقة من خلائق العرب حصرا.. لاتنافسهم فيها، ولاتحازيهم ولا توازيهم فيها أمة من الأمم..
وقد نقل المؤرخون، وحفظ رواة التاريخ مقولة للخليفة العباسي المأمون جاء فيها ( والله لو علم الناس مانجد في العفو من اللذة.. لتقربوا إلينا بالجنايات)..
وسيكتب التاريخ لريف أمدرمان وأهله ورجاله، من شماله الى جنوبه، إنه أولى بقاع السودان قاطبة بفضيلة العفو والصفح والتعالي على الجراح والثار والدم..
فهذه المنطقة التي شهدت في شمالها الإمام المهدي طالب قرآن، واستقبلته في جنوبها كرجل دولة.. هي أعرق حاضنة حضارية ودينية في السودان.. هذه المنطقة الخضراء تقابة قرآن طويلة ووارفة..هذه المنطقة مسيد علم وكرم مترف وعريض.. منطقة مزيج من مجد الكتاب ومجد الركاب.. لا تكاد تنطفي فيها نار القرآن ، ولا نار الضيفان.. وبينهما تموت نار الثأر والغضب والأحزان .. ويموت فيها ابليس الشر مهتوك القناع، بائر البضاعة والمتاع..
قبل فترة اندلعت فتنة قضى جراءها نفر كريم من أبناء القبيلتين.. ولكن تم احتواء الشرارة واطفاء الفتنة.. وأحيل بضعة عشر متهما للقضاء، وحكم عليهم بالإعدام .. وهم الآن رهن الإنتظار بالسجون.. ولهؤلاء الرجال أسر وآباء وامهات ولهم أطفال زغب الحواصل.. ينتظرون من كلا القبيلتين أن تتسامى على الجراح.. وان تطلق موسما من الافراح محلقا بأجنحة العفو.. ومفتتحة أجيالا من صفو العيش، وحسن الجوار لا يضمنها سوى عفو كريم من كرام، يقف من خلفه، ويدعمه قادة غطاريف عظام.. ينظرون إلى الأمام، ويرمون قدام.. ويعرفون أن الصلح والتعافي من أنجع أدوية الأمن والسلام..
إنه عمل يليق يالجموعية، وفعل يليق بالهواوير، سيذكره لهم التاريخ.. وينشده الدهر ويخلده الزمان..
عمل من شانه أن يوطد علائق الجوار الحسن والعشرة الطويلة وسنوات الجيرة والملح والملاح بين الجموعية والهواوير..
ان لكل قبيلة زعامتها البازخة.. وقيادتها الشامخة.. ومكانتها المحفوظة، وقيمها المركوزة.. وأهمها قيم العفو والتسامي على حظ النفس، وحظ القبيلة وإيثار ماعند الله تعالى من مكرمة وعدها سبحانه للكاظمين الغيظ، وبشارة أعدها للعافين عن الناس..
وإن كلا القبيلتين غصنا دوحة سودانية وارفة وظليلة ، أيهما كسر أوحش صاحبه.. وكلاهما عرب أقحاح، وكلاهما أهل صلاح واصلاح.. عاشوا سويا لسنين طوال. فكانوا كالعسل واللبن.. وتمازجا كما النيلين الأبيض والأزرق .. وكانوا أنموذجا سودانيا في إحترام الجوار ورعاية العهود والمواثيق.. إنها علاقات ممتدة في المكان والزمان، لم تعكر صفوها سوى أحداث معزولة.. تصدى لها كبار القبيلتين.. ونهضت لها غابة خضراء من العقلاء، وحديقة غناء من الحكماء ورجال الدين، وأهل الحل والعقد، فانطفئت كل فتنة وخمدت جذوة كل مشكلة.. ولا خوف على هكذا علاقة في وجود قيادة مهيبة و زعامة مهابة ، لها قرارها النافذ وكلمتها المسموعة ..
ولأن بين بيتي الزعامة ود محفوظ، وعلاقات نامية، وعهود مرعية.. فإن مناخ الجوار الحسن، والعيش المشترك لن تعكر صفاءه أزمات طارئة، وإن نهر العلاقة التاريخي لن تعكر صفوه عداوة عابرة، ولا مشكلات معزولة..
فنضر الله وجه مك الجموعية وكبار رجالها.. ونضر الله وجه عمدة الهواوير وحكماء قبيلته، وهم يسدون الباب أمام شيطان الخصومة، بين أبناء العمومة.. ويعلون حظ الإنسانية والدين والوطن فوق حظوظ النفس والقبيلة.. فهم رجال كتاب وركاب.. وأهل دين وعجين.. يعرفون جيدا أن قيم الصلح، وفضائل العفو كما أنها ترضي الله ورسوله والمؤمنين.. فإنها أيضا توثق علاقات التجاور.. وتمتن أسباب التحاور والتصاهر.. وتقوي من أواصر السلم والأمن الاجتماعي.. لأنه لا فكاك للجموعية والهواوير من العيش سويا، و لا مفر لهما من العيش في صفاء ونقاء أبد الدهر..
فتعالوا سويا، هواوير وجموعية، إلى كلمة سواء.. وإلى فعل يليق بكم من شأنه أن يرفع ذكركم في العالمين.. ويعلي شأنكم بين القبايل.. إن إنفاذ الأحكام مجرد خبر صغير في صفحة الحوادث.. ولكن العفو مانشيت وطني لا ينسى.. وخريف فرح يطيب معه البذل والعطاء الانساني ويطيب معه العيش المشترك والجوار الكريم..
وهذه دعوة لسعادة الأخ الكريم الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) النائب الأول لرئيس مجلس السيادة وكلنا ثقة انه بتصديه لهذه المهمة الكبيرة.. وقيادته لهذا العمل العظيم سيصل به إلى خاتمة سعيدة.. ونهايات جميلة.. والدعوة موجهة أيضا للسيد والي ولاية الخرطوم، لإكمال مشروع العفو الذي مضت فيه الولاية اشواطا مقدرة.. وأتخذت وقتها عددا من الخطوات، مثل دفع الديات، و التعويضات ، وجبر الضرر وغير ذلك.. نتمنى ان يكتمل هذا العمل الكبير في عهدكم.. ففيه رتق لنسيج الولاية وفيه بشارة كبيرة لأهلها ..
ويومها ستنشد إذاعة أمدرمان
أدركتما عبسا وذبيان بعدما
تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم..
يا أهلي الكرام الأماجد في الجموعية والهواوير. إن أهل السودان كلهم ينظرون اليوم إليكم .. كلهم في انتظاركم.. ليروا ماذا أنتم فاعلون..
فاكتبوا للإسلام نصرا، والسودان فجرا، وللتاريخ فتحا، وللريف الشمالي أهزوجة عز علي كل لسان، وأنشودة فرح في فم الزمان..