غندور وعرمان بقلم : قبيس احمد المصطفي
بدا ياسر عرمان منزعجاً من خروج البروفيسور إبراهيم غندور من محبسه الذي مكث فيه أكثر من عامين حتي حكم القضاء ببراءته.
انزعج عرمان أكثر إثر ظهور المعلم غندور في مقابلة علي قناة الجزيرة فور اطلاق سراحه، تلك المقابلة التي انتزع وقتها من بين جموع المهنئين بالحرية وبين آلاف المحبين الذين تداعوا للإفطار أمام منزله.
هذا الانزعاج يرجع لكون قادة الحرية والتغيير يريدون العودة بالأحداث لمحطة الحملات والهياج الإعلامي السابقة التي عملت علي تشويه صورة التيار الإسلامي في الحكم (تجرِبة وأفراد) ووصمها بالفساد والجريمة المنظمة، والآن بعد أن بدأت تلك الموجة في الانحسار والتراجع بعد ان عرف الناس خوافي الأمور بضدها لم يعد امامهم غير الإنكار .
لن يكون السيد ياسر عرمان وكل قادة الحرية والتغيير سعداء ببراءة غندور، ولا باستعادته لتوازن المشهد الإعلامي (من مقابلة تلفزيونية واحدة)، بينما المؤمل ولمصلحة الوعي العام والعدالة ولبناء التحول الديمقراطي الصحيح اعترافهم بها وتثمينها.
فقد كانوا وحدهم (بوضع اليد وقوة السلطة) علي مسرح الأحداث الفوضوي خلال تلك السنوات الثلاث العجاف يقدمون عرضاً مملاً ورتيبًا حتي أُسدل ستار ذلك العرض البائس أملاً في التخلص من آثاره الكارثية السيئة، فقد حقن عروق السودان بأمصال الكراهيَة والبغضاء، وأورث السودانيين الفقر وبؤس الحال.
فبمجرد إِزَاحة المتاريس التي منعت إحالة القضايا لمنصة العدل والقضاء السوداني؛ بدأت بلادنا رحلة العودة من التيه الذي عاشت فيه لأكثر من ثلاث سنوات، كان شعبنا يُمنّى نفسه أيامها بالخروج لأرض الثورة المقدسة حيث رغد العيش وموفور الخيرات، ولكنه تبع من تعمدوا المعصية فأَوْرَدُوه التيه والهلاك.
بأمر القضاء السوداني المشهود له أُطْلَق سراح البروفيسور غندور وبُرِّئْت صحيفته، وبحكم القضاء خرج كبر وكمال إبراهيم، وبأمره شطبت التُهم ضد البطل انس عمر والترمذي وخالد محمد نور وبقية من تجرعوا الظلم بجسارة طيلة سنوات القحط والسجون.
بالقضاء عاد الذين فصلوا من وظائفهم وحرموا من حق العمل، وبالقضاء العادل تعود بلادنا من رحلة التيه وحالة التوهان.
قال عرمان (أن المؤتمر الوطني لا يساوي شيء دون أجهزة الدولة ومواردها والقوات النظامية. وهو يتزلف للصعود مرة أخرى على أكتاف القوات المسلحة ويحاول إيقاع الفتنة بين الجيش والدعم السريع ). .
هذا قول غريب ومريب ! فكيف للمؤتمر الوطني وهو (لا يساوي شيئاً دون أجهزة الدولة) مما يفهم منه أنه قد مات وانتهي بنهاية سلطته، كيف لشبح الموتي أن يقضّ مضاجع عرمان ويدفعه لكل هذه الكتابات المليئة بالتخويف والتحذير من عودته وقوته؟ !!
ومن عجب اتهام المؤتمر الوطني بالتزلف والاستجداء !!
فهل وقوف الأحزاب الوطنية بجانب جيشها تزلف ؟
لئن كان ذلك كماهو فمن هم المتزلفون ؟ اليس هم من وصفوا قائد الجيش يومها بالجنرال الماهر وان الجيش في عهده اقوي من اي وقت مضي ،فما الذي تغير الان؟ !!
التيار الوطني لايتزلف ولايستجدي جيشه بل يدعمه ويقف بجانبه تحت كل الظروف ، فمواجهة المكر الذي يحاك ضد بلادنا لن يتم الا بالاستناد علي ركيزة الجيش وسائر القوات النظامية وإلتحام الشعب معها في ذات الخندق ، ومن هنا فليس هنالك عاقل في مثل هذه الظروف يتبني غير هذا الموقف ويجانب الرشد ليدعو للصدام والوقيعة بين القوات النظامية . يبدو أننا قد وصلنا مرحلة ما بعد القحط، وهي مرحلة (الحِرشة) و (التحانيس)، فقحط وقادتها مشغولين الآن (بتحريش) الخارج وتعبئته بمخاوف عودة التيار الإسلامي، بقدر انشغالهم بمحاولات الاستجداء في الداخل للقوات المسلحة وللشعب السوداني (ليهبوا) جميعاً من أجل منع تلك العودة المزعومة. العودة لمن غادر، والتيار الإسلامي العريض لم يغادر، هو كما قال الدكتور محمد علي الجزولي (تيار أطول من نهر النيل واكبر من جبل التاكا وأعرض من شجر التبلدي في بوادي كردفان).
أما إذا كانت العودة المقصودة للسلطة فهذه لن تتوفر الإجابة عليها إلا بحلول انتخابات عامة تدفع من يختاره السودانيون للسلطة وهذا فيما يبدو أسوأ الخيارات التي لا تتمناها قحط.