دِماء كِرينك !الحقيقة الغائبةوالصمت المُدقع بقلم : فاطمة لقاوة
الصراع ظاهرة إجتماعية تنشأ بين الأفراد أو الجماعات أو الدول عندما تفشل الطرق السِلمية في حل القضايا العالقة بين تلك الأطراف.
ومن أصعب أنواع الصراعات تلك التي تنشأ من أجل إزاحة نظام ما قائم.
المعضلة في السودان أن شجرة الصراع السياسي تُغذي جذور الصراع القبلي والصراع حول الموارد وغيرها من أنواع الجرائم الفردية التي يمكن أن يحسمها القانون. إلا أن الأحزاب السياسية ونخب المركز ودولته العميقة درجوا على إستخدام تلك الصراعات القبلية في حسم ملفاتها السياسية المتصارع عليها.
ما يدور هذه الأيام في منطقة “كرينك” شرق مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور ،من أحداث دموية وتراجيدا الدماء المعروضة والممتدة على مسرح دارفور وكردفان ،تُبيت عُمق المأساة التي يعيشها ساكني تلك الديار ،الذين يفتقروا لأبسط مقومات الحياة الإنسانية وهم محاصرون بثالوث :(الفقر والجهل والمرض)ليطل عليهم بُعبع الصراع حول موارد تلك المناطق المخفية في باطن الأرض من نفائس مثل البترول و الذهب ونالحاس وغيرها من المعادن التي تتصارع حولها إرادات إقليمية ومحلية ودولية.
ما يدور في كرينك اليوم من أحداث دامية تبين أن خيوط الصراعات القبلية تديرها عصابات وتجار حرب مركزية بمساعدة أسيادهم في الخارج ،وقد ظهر جليا من خلال الحملة الإعلامية المكثفة والموجهة لإثارة النعرات القبلية وخطاب الكراهية والتمييز المفرط.
بدأت أحداث كرينك فردية عندما إعتدت أفراد من قوات التحالف السوداني على أفراد من القبائل العربية الرعوية وقام أفراد القوات بقتل أبناء الرعّاة ،وقد قاموا أسر القتلى بإبلاغ المدير التنفيذي لمحلية كرينك بالحادث ،وقد وعدهم المدير التنفيذي (ناصر الزين) بتسليم الجناة للعدالة ،ولكنه تماطل ولم يفي بوعده،مما دفع أُسر الضحايا للتعامل بردود الأفعال الإستفزازية بسبب تماطل وتواطؤ الجِهات التنفيذية مع الجناة، فلجأ أهل الضحايا لإخذ ثأرهم بأيديهم من الجناة المعروفين والموجودين في كرينك تحت حماية السلطات وبعلمهم ،بل أن الجناة يتبعون لقوات التحالف السوداني التي يرأسها والي الولاية المدعو (خميس عبدالله ابكر).
التمييز والجرائم موجودات في كافة الدول وتطبيق القانون وحده هو من يُقلل الجرائم ويقيد التمييز ويخفف معاناة المجتمعات ،الا أننا في السودان نعاني بشدة من التمييز المُمنهج المقرون بالسلطة ،لذلك دائما ما يلجأ الضحايا وأسرهم إلى العنف بسبب إهمال قضاياهم من قبل السلطات المحلية ،وهذه معضلة الصراعات في دارفور وكردفان ،حيث سرعان ما تتطور الجرائم الفردية التي في مقدور السلطات إحتوائها! إلى صراعات قبلية بسبب التهاون في إجراءت الطوارئ في التعامل مع البلاغات و يروح في ردات الفعل ضحايا بأعداد لا تٌحصى بسبب تماطل السلطات وعدم وجود هيبة حقيقية للدولة في تلك المناطق.
الناظر للدولة السودانية يّلاحظ أن هيبة الدولة والقانون يتضائلان كلما إتجهنا بعيدا عن نطاق العاصمة الخرطوم،لذلك تتسيطر النزعة القبلية ويتقوقع الأفراد جميعا داخل قبيلتهم من أجل حماية أنفسهم وممتلكاتهم . ما يدور في دارفور من صراعات قبلية يظهر عليها أنها حروب عبثية بأيادي خفية تجيد وتعرف زمان ومكان تحريك مؤشرات الصراع بعناية فائقة ،مستغلة البيئة الإجتماعية الهشة في تلك المناطق وعدم وعي المواطن بثقافة قبول الآخر من أجل البقاء.
هناك أسئلة تجول في خاطري منذ الأمس وانا أطالع أخبار وتطورات أحداث كرينك :لماذا تتجدد الصراعات بصورة دموية فجأة دون سابق أنزار ؟ وما هو سِر التباطوء ملحوظ من قبل الجهاز التنفيذي والأمني في المنطقة؟!وآين المسؤولية القانونية والأخلاقية والتاريخية لأبناء دارفور الموجودين في المشهد السياسي السودان اليوم ؟!ولماذا النُخب السياسية السودانية تحاول دائما حسم صراعاتها السياسية عبر الكرت القبلي لا سواه؟!.
وآين حكومة المركز في أعلى هرمها السلطوي، اليوم من أحداث كرينك؟!ولماذا المعارضة والحركات المسلحة تحاول إستغلال هذة الصراعات وتوجيه الرأي العام نحو دمغ العناصر العربية دائما وشيطنتها عبر إطلاق لفظ الجنجويد على كل عربي؟علما بأن لفظ الجنجويد أستخدم في مدى محدد من ٢٠٠٣ الى ٢٠٠٤ ،ولكن اليوم أصبح لفظ فضفاض شبيها بلفظ كلمة الإرهاب !!واصبح لفظ الجنجويد اليوم مستغلاً سياسيا في الصراعات بين فرقاء الساحة السياسية السودانية!،ولماذا الرأي العام الإعلامي لا يتناول قضية الصراع بصورة محايدة وينقل حقيقة الأحداث لا الإلتفاف حولها؟!وما الفائدة التي يجنيها منبطحي السفارات عندما يزجوا كذبا بإسم القوات المسلحة السودانية ويتهموا قواتها -(قوات الدعم السريع)-زوراً وبهتانا؟!وهل يعقل لعاقل أن يصدق رواية تلفيق التهم من أجل الإضرار بقوات الدعم السريع التي كانت تقاتل بصدق في ساحات المعارك محققة نصرا ميدانيا بأقل خسائر ،وتحمي الشعب السوداني في مناطق النزاع !!!يمكن أن تكون هي الأداة لقتل المواطنين ؟! وهل يصدق المطلع بعمق !! أن يكون الهجوم الممنهج ضد قيادات الدعم السريع اليوم هو شيئا طبيعيا ؟!!ولماذا أبناء دارفور وكردفان ينساقوا وراء خطابات الكراهية ويقعوا في فخ الصراعات مجدداً بعد أن وضعت الحرب أوزارها في جوبا ؟!وإين شرفاء السودان الوطنيين من هذا الصراع الدموي! الذين دائما يسعوا بجهد إلى لم الشمل السوداني ؟.
ما يدور في كرينك اليوم هو مؤامرة تستهدف ضرب النسيج الإجتماعي السوداني وتمزيق اللوحة الوطنية الزاهية التي رسمها الشعب السوداني في ثورته ،وأن ما يدور الآن من تفلتات أمنية والعُنف الممنهج الذي يُمارس بين الجميع ،يوضح بأن هناك أيادي خفية تعبث بكل شيئا من أجل إعداد السودان للدخول في حروب أهلية تقود إلى تفكيك الدولة السودانية لدويلات ضعيفة يسهل السيطرة على مواردها،وأن الحقيقة الغائبة عن الكثيرين :أن إستهداف القطاع الرعوي الممتد من كردفان إلى دارفور بصورة ممنهجة وزرع الفتن بين مكونات تلك المناطق ، هو إستهداف للدولة السودانية ،التي ستنهار بإنهيار القطاع الرعوي!!!وأن صمت المركز المُدقع إتجاه الأحداث ،وعدم إصدار قرارات رادعة لمحاسبة كافة المتسببين في الأحداث ،سيجعل حكومة المركز في وضع لا تُحسد عليه أمام الجميع
ولنا عودة
احسنت واحسن قلمك