د.عبدالله فتحي يكتب في نصف كوب .. سعدت جدا
رشفة أولى:
والدنيا قبائل عيد..كيلو الحلاوة مشكلة باللبن والكاكاو 1700ج.. ورمضان التراويح وبرش الضرا ضيف خفيف حمل متاعه ليغادر..رائحة خبيز محروق تداعب أنفي من جهة المخبز..والسوق منتعش ومزدحم..معروضات الملابس أحمر واصفر وازرق زاهية وباهية( الرخيص في..والغالي في)..وجوه مهمومة ووجوه مبتهجة..وسبحان الله..لما تعاين زحمة السوق الخانقة وتكدس الباعة الموسميين..الكل يعرض بضاعته لينتظر نهاية اليوم رزقه المقسوم فيناله كاملا..تستعجب وتكرر تاني..سبحان الله..ذاك يزيح الغبار.وذاك يبني بالفاكهة هرم.وذاك منهمك مع زبون ليقنعه بالشراء.وهذا ينظف المكان من حوله.وصاحب السديري الذي يحمل المساويك ويبتسم لكل العابرين.إجتهاد شديد من جميع البائعين في هذا الموسم..السوق وطن المال الوفير الحلال.
رشفة ثانية:
مهن وحرف سودانية رغم بساطتها لكنها مهمة للغاية ولا غنى عنها لإستمرار الحياة اليومية..إضافة إلى أنها تدر دخلا مدهشا فوق كل ظن وتوقع..( النقلتي).(الساعاتي).(النجار).( الحداد).(صبي الاورنيش).(الخضرجي).( الفكهاني).( الكمساري).(الجرسون).( السقا).(القهوجي).(الطباخ).( الجزار).( بائع الرصيد).(الحلاق).(الكهربجي).(الجوكي).(العربجي).(فني الموبايلات).(الصائغ).(فني النظارات).
و(هنري)فني النظارات يجلس تحت هذه الشمسية التي تظلل فقط جسده منذ سنوات..أتيته وقد إنكسرت نظارتي على يد ابني الصغير( أويس) فصرت امشي بين الناس بلا بصر دقيق..ابتسم ونظر إلى وقال: مافي عوجة..ابتسامته أسعدتني جدا وخففت إنزعاجي من هاجس فقدان نظارتي وانا ذاهب الى عمل يحتاج التركيز البصري.. وبدأ يبحث في الأيادي الكثيرة المربوطة في حزم أمامه ويجرب على مهل حتى وجدها..وأصلحها..
وأصلح اليد الثانية ايضا..ونظفها..ومدها إلى على طبق يده بأناقة..سألته:كم؟..رد:
الساهلة.
(هنري) بصحته الجيدة المعافاة..وابتسامته الودود الرزينة..ووجهه الهاديء المحترم..وهندامه النظيف البسيط..وتمسكه بمهنته طوال هذه السنين..وقناعته ورضاه الظاهرة في عمله المتقن..جعلني أعيد النظر في فكرة السعادة..هل السعادة مال وفير..ام منصب كبير..أم علم غزير..أم جسد قوي؟!!.
رشفة آخيرة:
سعدت جدا بهذه الإنسانية الراقية..وهذه المعاملة الأنيقة..وهذا الرضا النفسي النادر..فغمرت دواخلي غلالة من هدوء وراحة وإنبساطة..واخذت ادندن مع نفسي: الدنيا ساهلة..صعابا ساهلة..بس رووق..بس روق وأحلى..و..معاكم سلامة.