رفية ابوشوك تكتب في (مجرد سؤال ؟؟) .. ( 5 ) اعوام على الرحيل المر”
تبكيك الجوامع الانبت ضانقيل .. لقراية العلم وكلمة التهليل
قبل 5 اعوام من الآن كتبت هذا المقال بهذا العنوان والآن اعيد نشره والقلب مازال حزينآ
(الموت حق).. رغم أننا على يقين تام بأن الموت حق والحياة زائلة إلا أننا ننفر منه مجرد سماعنا (كلمة الموت).. فعندما نسمعها كأننا نسمعها لأول مرة …وعندما نفقد عزيز ننسى حتى أنفسنا خاصة عندما يكون العزيز أخ عزيز
(الاثنين) 15 مايو الجاري، فقدنا أغلى إنسان … فقدنا شقيقنا (محمد أحمد أبو شوك ) في حادث حركة مؤلم وهو في طريقه إلى والديه قادماً من منزله، حيث اعتاد يومياً أن يزور والديه ليعلِّمنا درساً بليغاً في حياتنا وهو أن البر بالوالدين هو الذي يقودنا إلى الجنة… كان باراً بوالديه تقياً نقياً لم يقل إلا الطيب لأنه يؤمن إيماناً قاطعاً بأن (الكلمة الطيبة كالشجرة الطيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء)… لم نسمع عنه بأنه أساء لشخص أو تكلم بكلام جارح … لم يعتذر في حياته أبداً لأنه لم يقل ما يؤدي للاعتذار، كان محبوباً وصديقاً للجميع يحبه الصغار قبل الكبار… عندما يسلِّم على والديه كان يسلِّم ورأسه في الأرض، وقد قال لي : (الآن أنا ما بقدر أعاين في وش أمي وأبوي ليس لشيء وإنما احتراماً وتقديراً لمن ربياني صغيرا) أقول هذا وأشهد الله على ذلك…
جاء للسودان قادماً من المملكة العربية السعودية (مكة) في إجازته السنوية، ولكن إجازته هذه لم تكن كبقية الإجازات، ولكننا لم نكن نعرف أنها آخر إجازة بيننا … الإجازة هذه كانت تختلف عن بقية الإجازات.. واصل فيها كل الأرحام والأهل والمعارف، لذا في موته أبكى الجميع، حيث هب الكل من كل فج عميق … جنازته كانت محضورة … ظللته الغمامة لحظة خروجه من مغسلة مستشفى بشائر وإلى أن تم (قبره).
كان يحب مكة ويقول كما قال عنها قدوتنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، (إنها أحب بلاد الله إلى قلبي) … يصلي بالحرم كل الصلوات المكتوبة، وأقول هنا: (عندما يؤذن الآذان كان يقطع اتصاله معي بالتلفون ويقول لي مع السلامة أنا ذاهب للصلاة وسأواصل معك الاتصال بعد الصلاة وقد يكون).
فعنوان مقالي لهذه المساحة لم اختره عن فراغ (تبكيك الجوامع الانبنت ضانقيل لقراية العلم وكلمة التهليل)، لأنه حقيقة كان راية للعلم وكلمة التهليل … من أجل ذلك تبكيه الجوامع وهو ابنها البار بها.
كان يعرفه كل الذاهبين إلى مكة من الأهل والمعارف للحج أو العمرة لأنه كان يذهب إليهم فرداً فرداً.
بكاه أبي من الأعماق رغم مرضه الذي أقعده، وبكته الوالدة ومازال قلبها ينزف دماً، لأنها كما تقول عنه (ابن الرضا) فهو حقيقة ابن الرضا فوالدتي لم تقل غير الحق … كنا جميعاً نحن أخواته نبكي وفي نفس الوقت نهرول للوالدة لكي نصبِّرها ونقول لها (إنا لله وإنا إليه راجعون).
بكته الشمالية (كورتي والمقل) وهو ابنها… جاءوا جميعاً ولهم نقول (إن شاء الله يوم شكركم ما يجي) … بكته أسرتنا الكبيرة الممتدة بكل ولايات السودان، وبكته أسرتنا الكوارتية بولاية الخرطوم… بكاه كل معارفنا جاءوا وهم يعتصرون ألماً بعد أن تفاجأوا بالرحيل السريع المر.
رحل (محمد أبو شوك) وهو (شيال التقيلة) وترك في دواخلنا جرحاً لن يندمل حتى نلقى الله … رحل وهو يحدث أولاده قبيل رحيله بساعات عن موت الفجأة وكيف للإنسان أن يعمل صالحاً، لأن موت الفجأة لن يترك مساحة للمرض، فالمرض كفارة للذنوب… رحل وهو يعلِّم أبنائه عمل الطاعات ورضا الرب قبل رضا الناس … يعلمهم حب الله والتفقه في الدين والإبحار في كتب التفسير وقراءة سير الصحابة والتابعين ويعلمهم أيضاً حب الوطن والصفات الجميلة من خلال القصص التي يحكيها لهم.
رحل وهو يعلمنا أهمية الابتسامة، لأن (الابتسامة في وجه أخيك صدقة)… رحل (الموسوعة) الذي كنت ألجأ إليها في تفسير آية ما، أو شرحها أو مناسبة نزولها … فكان كثيراً ما يحدثني عن حياة الرسول (صلوات الله عليه وسلم) التي كانت مليئة بالأشواك، ولكنه انتصر وانتشر الإسلام ويزيد : (الإسلام نحن لقيناه جاهز) … كنت أيضاً كثيراً ما ألجأ إليه ليشرح لي تاريخ السودان والدول الأخرى والملوك والرؤساء الذين تعاقبوا عليها … كان قريباً من أخواته لأنه كان وحيدنا … لم نشعر قط بأنه ميَّز أخرى على الثانية.
(فأنا) جد حزينة لرحيله … أسألوا الله لي الصبر … فإذا كان البكاء (بجيب) الميت لكان قد جاء، لأن العيون بكت والدموع نزفت ولسان حالها يقول كما قال “ود بادي” وهو يرثي إسماعيل حسن :
ارمي الدمعة فوق الدمعتين ياعين
وبعد الليلة حابسها الدموع لي مين
نزيف الدنيا من حد البلد غربي
ونزيف الدنيا لا حد البلد شرقي
وكل الدنيا خاتة الخمسة فوق اتنين
رحيلك وقفة فوق درب العليك باكين
فيها نهاية المشوار وحد الفرحة والآمال وحد الفأل