جمال عنقرة يكتب في (تأملات) .. الإتحادي الأصل.. شعاع آخر النفق
زحمة الأشياء وتداخلها حالت دون أن أطلع علي الدعوة التي بعث لي بها أخي وابن أخي الزعيم ابن الزعيم الوجيه الزاكي التجاني محمد إبراهيم لحضور المؤتمر الصحفي للحزب الإتحادي الديمقراطي الأصل، والذي يتحدث فيه نائب رئيس الحزب نجل مولانا السيد محمد عثمان الميرغني السيد جعفر الصادق، وآخرون من قيادات الحزب، ورغم أني وجدت الرسالة في زمن متأخر جدا، ووسط ارتباطات مهمة كثيرة، لكنني تركتها كلها وتحركت مسرعا صوب جنينة السيد علي الميرغني حيث يعقد المؤتمر الصحفي، وفضلا عن حرصي علي تلبية دعوة الوجيه الزاكي، كنت أحرص علي لقاء السيد جعفر الصادق، الذي لم التقه مباشرة قبل اليوم، علي عكس شقيقه السيد الحسن الذي تربطني به اواصر جمة حميمة، ثم أني كنت حريصا علي معرفة موقف الفصيل الأصل في الحركة الإتحادية، حزب الوسط، ورمانة ميزان العمل السياسي والوطني في السودان، الحزب الإتحادي الديمقراطي الأصل.
أول ما دخلت قاعة المؤتمر شعرت بحالة اطمئنان غير عادية، فكل من وقعت عيني عليه انشرح له صدري، فكل من شاهدت أو سمعت إسمه، أو جاء ذكره، تحتشد حوله المعاني، ويشكل رمزيات لا تخطئها عين، ولا يتركون فرصة لأحد ليتساءل “من أين أتي هؤلاء” فهم من عمق وصلب المجتمع السوداني، هم الساس والرأس، وكان أول من شاهدت يجلس علي يمين السيد جعفر الصادق حبيبنا وصديقنا وصهرنا الشيخ البروفيسور بخاري عبد الله الجعلي، وعلي يمينه يجلس صديقنا الغالي شيخ العرب السيد سيد هارون، وعلي يسار السيد جعفر يجلس الشاب المدهش السيد إبراهيم السيد أحمد الميرغني، ثم رأيت علي يسار المنصة مباشرة يجلس الخليفة ميرغني الخليفة بركات، وبجواره يجلس بلدياتنا وابن عمنا الجنرال محمد ميرغني إدريس، ويجلس إلى جانبه الخليفة أحمد الخليفة عبد المجيد، وعلي الجانب الآخر شاهدت غني النفس عالي الهمة الدكتور الفاتح تاج السر، وبجواره يجلس الخليفة العالم الخطيب الدكتور عمار ميرغني الذي خلفه في وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، وشاهدت بجواره الوزير المثقف السيد أحمد الأموي، ومن الذين سمعت أسماءهم ضمن قيادات الحزب، ابن عمنا الحكيم طه علي البشير، والخليفة بكري الخليفة أحمد الخليفة عربي، وابن خالتنا الأمير أحمد سعد عمر، والسيد بابكر عبد الرحمن، والأستاذ هشام الزين، والسيد عثمان سليمان، والسيد عمر خلف الله، فادركت أن مولانا السيد محمد عثمان الميرغني، فعل ذات ما فعله جده عليه أفضل الصلاة وازكي التسليم يوم نادي علي بني عمومته، وأعيان بيوت مكة، ليعرض عليهم نبأ الرسالة، فنادي السيد محمد عثمان علي أعيان الحزب، وخلفاء خلفاء الختمية، أهل الحارة ليخوض بهم أهم واشرس معركة في تاريخ السودان الحديث، معركة يكون بعدها السودان، أو لا يكون، ولقد أسعدني كثيرا أخي الشقيق عادل عبده عندما أعطاني ابن عمنا المجاهد المرابط المك علي نايل في التلفون، وكانت فرحتي سوف تكتمل لو أطل علينا ولو عبر الهاتف، كبير الختمية والإتحاديين علي الإطلاق خليفة الخلفاء، شقيقي الحبيب وصديقي العزيز، الذي لم نغب عن بعض ابدا لأكثر من أربعة عقود من الزمان، المناضل الشيخ عمر الشيخ إدريس حضرة، وليس مثل شيخ عمر يغيب أو يتم تغييبه في مثل هذا اليوم الذي يكون له ما بعده بإذن الله تعالي.
ويفرض علي هذا الحدث المهم، واليوم العظيم أن أثبت علي الملأ شهادة لم احبسها، ولم اكتمها ولكنني ظللت أتحدث بها حينا بعد حين بين خواص الناس، لكنني لم أكتبها، وأتت اليوم مناسبتها، ففي تقديري، وبثابت المواقف والأقوال، يعتبر السيد محمد عثمان من أكثر مجايليه من السياسيين السودانيين حصافة وذكاء، واقدرهم علي تقدير الموقف، وأكثرهم توفيقا في إختيار القرار المناسب في الوقت المناسب، لذلك تقل إلى درجة العدم المواقف والأحاديث المحسوبة عليه سلبا، ولا يدانيه أحد في المواقف الموفقة، وسيظل الناس يذكرون ويذكرون مبادرته للسلام مع العقيد الراحل الدكتور جون قرنق دي مبيور أواخر ثمانينيات القرن الماضي، ويحفظ له الناس عندما قال الرئيس السابق عمر البشير “شلناها بالبندقية، والعايزها يشيل البندقية” رد عليه مولانا بعبارة مختصرة “سلم تسلم” ولما تهددت البلاد بنزاع أخذ اشكالا خطيرة بين الحكومة والمعارضة، جنح مولانا إلى السلام، وظل لسنوات قبل سقوط الإنقاذ وبعدها علي موقف واحد يدعو إلى حل قضايا البلاد عبر الحوار، وظلت دعوته مستدامة لفرقاء السودان لنبذ الخلافات، والتنادي إلى كلمة سواء تجمع صفهم، وتجنبهم الخلاف والشقاق.
وبرغم ما عرف به مولانا من طول بال، وحرص علي تجاوز كل خلافات تنشأ، لكنه صار في هذه المرحلة حاسما جدا، ومن الواضح جدا أنه اختار نجله السيد جعفر الصادق لقيادة هذه المرحلة بعناية شديدة، ولا يعني هذا أنه أفضل من شقيقه السيد الحسن، فلكل منهما ميزات تفضيلية، وكما ذكرت فأنا اعرف السيد الحسن أكثر من السيد جعفر الذي تكاد تكون معرفتي له صفرية، لكنني لاحظت من أول لقاء بساطته، وسماحته، وقدرته علي استيعاب الناس – كل الناس – وهذه أهم مطلوبات هذه المرحلة التاريخية والمفصلية في تاريخ بلدنا وشعبنا، ولقد صار الحزب الإتحادي الديمقراطي الأصل بقيادة مولانا السيد محمد عثمان، ونيابة نجله السيد جعفر الصادق، بمثابة الشعاع الذي لاح في آخر نفق الأزمة السودانية المظلم، وحسنا فعل قادة الحزب امس عندما أعلنوا مد الجسور مع كل فصائل الحزب، ومع كل أهل السودان الآخرين بلا إستثناء.